“حسبة صيدا”…بلا حسيب ولا رقيب


تعاني بلدية صيدا، شأنها شأن غيرها من البلديات، من أزمة سيولة مالية كبيرة. وعند محاولة نقاش أسباب الأزمة، يكون الجواب حاضراً: تدهور قيمة العملة الوطنية وتراجع جباية الرسوم البلدية. لا يختلف اثنان على أن الانهيار المالي لعب دوراً في هذه الأزمة، لكنه ليس العامل الوحيد، بل هو جزء من عوامل أخرى أهمها غياب رؤية استراتيجية لتأمين موارد مالية منتظمة للصندوق البلدي، رغم أن بلدية صيدا تمتلك موارد مالية وطبيعية عديدة قادرة على تأمين مداخيل ضخمة إذا أُحسن استثمارها
٣دراسة الأوضاع دون قرارات
بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، شكل المجلس البلدي الجديد عدة لجان لمتابعة قطاعات البلدية، ومنها سوق الخضار الحديث المعروف باسم “الحسبة”. جرت اتصالات واجتماعات عديدة مع تجار الحسبة ولجنتهم لمناقشة وضع يمكن وصفه بـ”غير الطبيعي”، حيث لا يتجاوز إيجار المحل التجاري الذي يُدفع للبلدية مبلغ 100 دولار أمريكي سنوياً.
يقول رئيس لجنة الحسبة في البلدية، هشام حشيشو: “ما زلنا نتابع وندرس الموضوع وكيف يمكن أن نصل إلى حل ينصف البلدية ويعطيها حقها، ومن جهة أخرى، لا يؤدي ذلك إلى أذية التجار وعملهم الاقتصادي في المدينة”. ويضيف حشيشو: “ما زلنا ندرس إمكانية استغلال مساحات أخرى من أرض الحسبة لإقامة محلات تجارية إضافية يمكن تأجيرها لتأمين موارد مالية للبلدية، لكن حتى اللحظة لم يأخذ المجلس البلدي أي قرار بموضوع الحسبة وإيجارات المحلات وإمكانية بناء محلات إضافية”.
تجاوزات ومطالب غير قانونية
من جهة أخرى، يوضح أحد الناشطين في المدينة ما يجري في الحسبة بالقول: “معظم أصحاب المحلات التجارية في الحسبة لم يلتزموا بشروط التأجير التي وقعوا عليها. لقد عمد بعضهم إلى عقد اتفاقات استثمار مع جهات أخرى لا تستوفي الشروط المتفق عليها، وهي اتفاقات استثمارية غير قانونية. كما عمد البعض إلى تأجير مداخل محلاتهم لأشخاص آخرين بدون أي مسوغ قانوني”.
ويضيف الناشط: “ليس هذا فحسب، فقد أعلن قسم من التجار رفضه لأي خطة تقوم بها البلدية لبناء محلات تجارية إضافية، واتصلوا بأطراف سياسية كي تؤمن لهم الحماية. وخلال المحادثات إثر إقرار مجلس النواب لقانون الإيجارات للوحدات غير السكنية، اشترطوا أن تكون مدة الإيجارات 25 عاماً وببدل إيجار شهري لا يتجاوز 300 دولار أمريكي، في حين أن قيمة استثمار بعض المحلات قد بلغت 2000-5000 دولار شهرياً وبطريقة غير قانونية”.
تفاصيل العقد الأصلي:
بتاريخ ديسمبر 1985، وقعت بلدية صيدا عقداً مع المرحوم بهاء الدين الحريري تضمن هبة منه لإنشاء سوق الخضار الحديث. وشُكلت آنذاك لجنة مؤلفة من رئيس البلدية أحمد الكلش، ومندوب عن الحريري المرحوم محي الدين القطب، ورئيس مصلحة الشؤون البلدية والقروية في وزارة الداخلية المرحوم سامي شعيب. وكانت مهمة هذه اللجنة وضع نظام خاص لتسويق المحلات. تضمن النظام عدداً من المواد الأساسية:
• المادة الرابعة: “لدى إنجاز مشروع سوق الخضار الحديث تحدد اللجنة تخميناً معيناً لخلو كل محل، وتحدد بدل إيجاره وذلك في ضوء الأسعار الرائجة، وأن تعيد النظر فيها بين فترة وأخرى مع حق تعديل القيمة إذا كان ذلك مناسباً لمصلحة البلدية”.
• المادة الخامسة: حصرت “حق تأجير واستئجار المحلات… بأصحاب حقوق الإيجارة في سوق الخضار القديم”. وقد جرى تعديل هذه المادة في اجتماع اللجنة بتاريخ 7 يناير 1987، لتضيف: “ويحق للمستثمرين في الحسبة القديمة استئجار محلات في سوق الخضار الحديث شرط توفر جميع الشروط لديهم باستثناء شرط القيد في سجلات نفوس مدينة صيدا”.
• المادة العاشرة (المادة الأهم): نصت على أنه “يُمنع على المستأجر… أن يتصرف بالمحل المؤجر إليه أي كان نوع التصرف لمدة عشر سنوات”. وبتاريخ 7 يناير 1987، عدلت اللجنة هذه المدة لتصبح 5 سنوات.
• تعديل المادة العاشرة (7 نوفمبر 1987): أضافت اللجنة فقرة جديدة تنص على أنه: “يمكن للمستأجر التنازل عن حق الإيجارة لغيره كلياً أو جزئياً أو إدخال شريك معه شرط أن تتوفر لدى هذا الشريك جميع الشروط المفروضة للمستأجر الأساسي وأن يُعلم الفريق الأول (البلدية) بذلك قبل مدة شهر واحد على الأقل، وبعد موافقة الفريق الأول يتم تنظيم عقد إيجار جديد ببدل إيجار جديد يحدد وفقاً للأسعار الرائجة في حينه”.
• بند إضافي (7 يناير 1987): أشارت اللجنة إلى أنه “نظراً لكون هذه الإيجارات لأعمال استثمارية، لذلك تخضع بدلات الإيجار إلى الزيادة أو النقصان وفقاً لتدني سعر الليرة اللبنانية بالنسبة للعملات الأجنبية”.
مسؤولية المجلس الحالي
هذه الشروط القانونية، التي وقّع عليها المستأجرون، تشكل أرضية تتيح للمجلس البلدي التصرف لزيادة واردات الصندوق البلدي، بديلاً عن تقديم حجة عدم وجود مال. حتماً سيشير البعض إلى غياب المجالس المتعاقبة عن متابعة الموضوع، لكن ذلك لا يلغي مسؤولية المجلس الحالي عن اتخاذ القرارات القانونية اللازمة من خلال تعديل بدلات الإيجار، وإزالة التعديات، واستغلال سوق الخضار الحديث، وتنفيذ مشروع استثماري جديد يؤمن مداخيل جديدة إذا استخدمت فيه الشفافية والمراقبة والمحاسبة.
