تحميل

إبحث

في الصميم

الشرع في واشنطن… لبنانُ الخاسرُ الأكبر

geopolitical_transformation

في خطوةٍ تاريخيّة قد تُعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، يستعدّ الرئيسُ السوريّ أحمدُ الشَّرع لزيارةِ واشنطن في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، في أولِ زيارةٍ لرئيسٍ سوريٍّ إلى الولايات المتحدة منذ استقلال سوريا عام 1946.

الزيارةُ، التي أكّدها المبعوثُ الأمريكيُّ إلى سوريا توم باراك، تأتي في سياق تحوّلاتٍ جيوسياسيّة متسارعة، أبرزُها قربُ توقيعِ اتفاقٍ أمنيٍّ بين سوريا وإسرائيل برعايةٍ أمريكية، وانضمامُ سوريا المرتقب إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”.

مفاوضات خلف الكواليس

تكتسبُ زيارةُ الشرع إلى واشنطن أهميةً استثنائية، ليس فقط لكونها الأولى من نوعها، بل لأنها تأتي تتويجاً لمسارٍ من المفاوضاتِ والمباحثات التي جرت خلف الكواليس، وتهدف إلى إعادة دمجِ سوريا في المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة.

ومن المتوقّع أن يلتقي الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في لقاءٍ يهدف إلى وضعِ اللمساتِ الأخيرة على اتفاقياتٍ استراتيجية، تشملُ رفعَ العقوبات الاقتصادية عن سوريا، والبدءَ بمرحلة إعادة الإعمار.

أمّا الاتفاقُ الأمنيّ بين سوريا وإسرائيل، فيُعدّ تطوّراً لافتاً، إذ يُرجَّح أن يكون شبيهاً باتفاقِ فَضِّ الاشتباك لعام 1974، مع تعديلاتٍ طفيفة تضمنُ أمنَ الحدود، وتُؤسِّس لتعاونٍ أمنيٍّ ثلاثيّ (سوري–إسرائيلي–أمريكي) في منطقة جبل الشيخ.

كما يتضمّن الاتفاقُ بسطَ سلطةِ الحكومة السورية على كامل المنطقة الجنوبية، مع ضماناتٍ لأمنِ الطائفة الدرزية، ما يشير إلى رغبةٍ أمريكية في تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحسّاسة.

التأثير على لبنان

فيما يبدو أنّ سوريا تتجه نحو انفتاحٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ، فإنّ لبنان يبدو الخاسرَ الأكبر من هذه التحوّلات. فالـاتفاقُ الأمنيّ بين سوريا وإسرائيل، وزيارةُ الشرع إلى واشنطن، يضعان لبنان في عزلةٍ إقليميةٍ غير مسبوقة، ويفرضان ضغوطاً هائلة على مختلف المستويات:

العزلةُ الإقليمية

مع تطبيع معظم الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، ومع اتجاه سوريا نحو اتفاقٍ أمنيّ، يصبح لبنان الدولةَ الوحيدةَ في المنطقة التي لا تملك أيَّ شكلٍ من أشكال العلاقات مع إسرائيل، ما يجعله معزولاً سياسياً ودبلوماسياً.

الضغطُ على حزب الله

يرى مراقبون أنّ أحدَ الأهداف الرئيسية للاتفاق السوري–الإسرائيلي هو قطعُ طرقِ الإمداد والتسليح عن حزب الله، الذي يعتمدُ بشكلٍ كبير على سوريا كعمقٍ استراتيجي.
تصريحاتُ المبعوث الأمريكي توم باراك حول ضرورة نزع سلاح حزب الله، وربطِ المساعدات الاقتصادية للبنان بهذه الخطوة، تشير إلى أنّ الحزب سيكون الهدفَ التالي للضغوط الأمريكية والإقليمية.

فقدانُ العمق الاستراتيجي

لطالما شكّلت سوريا عمقاً استراتيجياً للبنان وملاذاً له في مواجهة الضغوط الإسرائيلية. ومع توقيع الاتفاق الأمنيّ، يفقد لبنان هذا العمق، ويصبح وحيداً في مواجهة ضغوطٍ متزايدة من إسرائيل والمجتمع الدولي.

الضغطُ الاقتصادي

وصف توم باراك لبنان بـ”الدولة الفاشلة”، في إشارةٍ واضحة إلى أنّ المساعداتِ الاقتصادية الدولية ستكون مشروطةً بتحقيق الاستقرار ونزعِ سلاح حزب الله. وفي ظلّ الأزمةِ الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان، فإنّ هذا الشرط يضع الدولة اللبنانية أمام خياراتٍ صعبة.

 

البنودُ الرئيسية في الاتفاق

لجنةٌ أمنيةٌ مشتركة: سورية–أمريكية–إسرائيلية لمتابعة مستجدّات الحدود. بسطُ السلطة السورية على كامل المنطقة الجنوبية بما فيها محافظة السويداء. ضمانُ أمنِ الدروز: تعهّدٌ أمريكيٌّ بحماية الطائفة الدرزية في الجنوب السوري. انتشارٌ مُشترك: أمريكي–سوري–إسرائيلي في منطقة جبل الشيخ.

تمثّل زيارةُ الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، والاتفاقُ الأمني المرتقب مع إسرائيل، نقطةَ تحوّلٍ مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط. ففيما تبشّر هذه التطوّراتُ بنهضةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ لسوريا، فإنها تضعُ لبنان أمام تحدّياتٍ وجوديّة، وتفرض عليه إعادةَ النظر في تحالفاته وسياسته الخارجية، في ظل متغيراتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ متسارعة قد لا تكون في صالحه.
al-Post
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا