تحميل

إبحث

في الصميم

سايكس–بيكو… قرنٌ من الخيانة واستقلالٌ على الخرائط

السراي الكبير في الاستقلال

في الذكرى ال 82  لاستقلال لبنان…

بعد مرور أكثر من قرنٍ على توقيعها، لا تزال اتفاقيةُ سايكس–بيكو، تلك المعاهدةُ السرّية التي رَسَمَت حدودَ الشرق الأوسط الحديث، تُثيرُ جدلًا واسعًا وتُلقي بظلالها الثقيلة على واقعِ المنطقة. لم تكن مجردَ خطوطٍ على خريطة، بل كانت تجسيدًا لمرحلةٍ من الخداعِ الاستعماري الذي زَرَعَ بذورَ صراعاتٍ لا تزال مُستعِرة حتى اليوم.

لم تَبقَ هذه المؤامرةُ طيَّ الكتمان طويلًا. فبعد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، قام فلاديمير لينين بنشر نصوصِ الاتفاقيات السرّية التي وجدها في أرشيفِ الحكومة القيصريّة، واصفًا سايكس–بيكو بـ«اتفاقية اللصوص الاستعماريين».

بعد انتهاء الحرب، تمَّ إضفاءُ الشرعية على مخططاتِ سايكس–بيكو في مؤتمر سان ريمو عام 1920، الذي أقرّ نظامَ الانتداب. وُضِعَت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، بينما وُضِعَ العراق وفلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني. كانت هذه هي اللحظة التي تحوّلَت فيها الخطوطُ السرّيةُ على الخريطة إلى حدودٍ سياسيةٍ فعلية، مما أدّى إلى قمعِ الحكومة العربية المستقلة التي تأسست في دمشق بقيادة الأمير فيصل بعد معركةِ ميسلون في يوليو 1920.

لم تكن اتفاقيةُ سايكس–بيكو مجردَ معاهدةٍ لتقسيم الأراضي، بل كانت عمليةَ زرعٍ للشقاق والانقسام في قلب العالم العربي. لقد خَلَقَت دولًا بحدودٍ مصطنعة، وفَصَلَت بين مجتمعاتٍ متجانسة، وأَسَّسَت لصراعات الهوية والطائفية التي لا تزال المنطقةُ تُعاني منها. من القضية الفلسطينية، التي تفاقمت بسبب وعد بلفور المتزامن، إلى الحروبِ الأهلية في لبنان وسوريا والعراق، يمكن تتبّع جذورِ العديد من أزمات الشرق الأوسط المعاصرة إلى تلك الخطوط التي رسمها سايكس وبيكو في الخفاء.

في الذكرى المئوية للاتفاقية وما بعدها، يظل «سايكس–بيكو» رمزًا للخيانةِ الغربية، وتذكيرًا مؤلمًا بأن تاريخَ المنطقة لم يكتبه أبناؤُها، بل رَسَمَته مصالحُ القوى العظمى. ليس فهمُ هذا الإرث مجردَ قراءةٍ في التاريخ، بل هو ضرورةٌ لفهمِ الحاضر المضطرب، وربما لتخيّلِ مستقبلٍ مختلف.

العلامات

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا