بعد مرور أقلّ من عامٍ على تولّيه منصبَ الأمانةِ العامّةِ لحزبِ الله، خلفًا للسيد حسن نصر الله، يجد الشيخ نعيم قاسم نفسه في قلبِ عاصفةٍ من التكهنات والتقارير التي تشير إلى أنّ منصبه قد لا يكون آمنًا كما يبدو. فالرجلُ الذي قضى عقودًا في الظلّ كنائبٍ مخلص، يواجه اليوم تحدّياتٍ جسيمةً لا تقتصر على الحربِ المفتوحةِ مع إسرائيل، بل تمتدّ إلى صراعاتٍ داخليةٍ ضارية وضغوطٍ إيرانيةٍ متزايدة، ما يطرح تساؤلاتٍ جدّية حول مستقبله ومستقبل الحزب
تتردّد معلوماتٌ من مصادرَ متنوّعة عن حالةٍ من عدمِ الرضا تسود في طهران تجاه أداء قاسم. ويُنظر إليه على أنّه يفتقر إلى «الكاريزما»، وهو أمرٌ تتقاطع عنده الأغلبيّة، إضافةً إلى افتقارٍ للفهمِ السياسيّ العميق الذي تمتع به سلفه. وتذهب هذه المعلومات إلى حدّ القول إنّ إيران تدرس بجدّية «إعادة هيكلة» قيادة الحزب، وهو ما قد يعني إبعاد قاسم عن منصبه، إلّا أنّ المشكلة لا تزال تكمن في «الخليفة». وتكتسب هذه الأنباء مصداقيّةً إضافيّة مع الحديث عن زيارةٍ مرتقبةٍ لوزير الخارجيّة الإيراني، عباس عراقجي، إلى بيروت، يُعتقد أنّها تهدف إلى تقييم الوضع الداخلي للحزب عن كثب واتخاذ قراراتٍ حاسمة.
تصدّعاتٌ في الجدار الداخلي
لا يقتصر التحدّي الذي يواجه قاسم على الضغوطِ الخارجيّة. فالكلام بات يتردّد عن وجود «تصدّعات» وانقساماتٍ عميقة داخل مجلس شورى القرار، الهيئة القياديّة العليا في الحزب. ويبدو أنّ الصراع التقليدي بين «تيار المحافظين» و«تيار التجديد» قد احتدم، وأنّ قاسم يجد صعوبةً في «ضبط إيقاع التنظيم» الداخلي. يتجلّى هذا الصراع بوضوحٍ في ملفّ تعيين نائبٍ جديدٍ للأمين العام، وهو المنصب الذي شغره قاسم نفسه لأكثر من 33 عامًا. فالاسم الأبرز المطروح اليوم، وهو محمد رعد، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة»، يواجه معارضةً صامتةً لكنّها قويّة من قبل الجناح المحافظ، الذي يتزعّمه رئيس المجلس السياسي، إبراهيم أمين السيد.
تعود أسباب هذه المعارضة إلى أنّ رعد شخصيّةٌ سياسيّةٌ بامتياز، وليس رجلَ دينٍ معمّمًا، وهو ما يعتبره المحافظون خروجًا عن التقاليد الراسخة في هرمية الحزب. كما أنّ هناك بُعدًا مناطقيًّا للصراع، حيث تشعر قياداتٌ من منطقة البقاع بالتهميش لصالح شخصيّاتٍ من الجنوب.
الصراع الداخلي، المتأثّر بشكلٍ مباشر بالضغوط الإيرانيّة ومسار الحرب مع إسرائيل، لن تحدّد مصير نعيم قاسم فحسب، بل سترسم شكل وهويّة حزب الله في المرحلة القادمة: هل سيبقى منظّمةً عقائديّةً–عسكريّة، أم سيتّجه نحو براغماتيّةٍ سياسيّةٍ أكبر؟
من يخلف قاسم؟
في ظلّ هذا الوضع المعقّد، تبدو كلّ السيناريوهات مفتوحة. فإذا ما قرّرت إيران بالفعل تغيير قاسم، فإنّ البحث عن خليفةٍ له سيفتح الباب أمام صراعٍ أوسع. أمّا إذا بقي قاسم في منصبه، فإنّ معركته الرئيسيّة ستكون حسمَ منصب نائبه، وهو قرارٌ سيحدّد ملامح توازن القوى داخل الحزب لسنواتٍ قادمة.
محمد رعد: يبقى الخيار المفضّل لقاسم، وتعيينه سيمثّل انتصارًا لـ«تيار التجديد» الذي يسعى إلى تقديم وجهٍ سياسيٍّ أكثر للحزب. غير أنّ هذا التعيين قد يُجبره على التخلّي عن مقعده النيابي ورئاسة الكتلة البرلمانيّة.
مرشحو التسوية: في حال استمرّت معارضة تعيين رعد، قد يتمّ اللجوء إلى شخصيّاتٍ أخرى لإرضاء الجناح المحافظ. ويُطرح في هذا السياق عددٌ من الأسماء كمرشّحي تسويةٍ محتملين، يمكن أن يُرضوا أبناء البقاع والمحافظين.
الطامحون الآخرون: يبرز اسم النائب حسن فضل الله كشخصيّةٍ طموحة، قد تستفيد من هذا الصراع، خاصّةً في حال شغور منصب رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة».
حزبُ الله على مفترق طرق
من الواضح أنّ حزب الله يمرّ بمرحلةٍ هي «الأحلك والأصعب» في تاريخه. فالقيادة الجديدة، ممثّلةً بالشيخ نعيم قاسم، لم تواجه فقط تحدّي ملءِ الفراغ الذي تركه نصر الله، بل وجدت نفسها في مواجهة حربٍ مدمّرة وصراعاتٍ داخليّة تهدّد وحدة التنظيم. إنّ مسألة تغيير الأمين العام، سواء كانت مجرّد شائعاتٍ أو حقيقةً قيد التبلور، تكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها الحزب.
نتيجة هذا الصراع الداخلي، المتأثّر بشكلٍ مباشر بالضغوط الإيرانيّة ومسار الحرب مع إسرائيل، لن تحدّد مصير نعيم قاسم ومحمد رعد فحسب، بل سترسم شكل وهويّة حزب الله في المرحلة القادمة: هل سيبقى منظّمةً عقائديّةً–عسكريّة في المقام الأوّل، أم سيتّجه نحو براغماتيّةٍ سياسيّةٍ أكبر؟ الأيّام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال المصيري.