تاريخيّاً، تقليدياّ، وحتى مهنياّ، تقع على عاتق رئيس التحرير في أيِّ جريدةٍ تصدرُ مسؤوليةُ الإجابةِ في افتتاحية العدد الأول عن سؤالٍ بديهيٍّ لماذا جريدةٌ جديدة؟ومعه الأسئلة الطبيعية المصاحبة: ما خطُّها التحريري؟ ما تموضعها السياسي؟ ما رؤيتها للقضايا الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية والفكرية؟ لقد تغيَّر عالم الإعلام كثيرًا في السنوات الأخيرة، وتغيَّرت معه شروط اللعبة، في دقائق تفاصيلها كما في عظائم الأمور.ولأنّنا عاصرنا جيلين، ونحن على أبواب الجيل الثالث من متغيرات هذه المهنة/الرسالة، مع دخول الذكاء الاصطناعي غرفة التحرير، نؤكّد على أصلٍ ثابت: Content is King مهما تغيّرت المتغيرات، و”عُدَّةُ الشغل”… يبقى المحتوى هو الملك. من المفردة اللاتينية “positus”، تنحدر كلمة “post”، وهي اسم المفعول من الفعل “ponere”، الذي يعني “يضع”. في الجرمانية القديمة، جاءت الكلمة بمعنى: “عمود” أو “وتد”، وتعني أيضًا “القطعة القائمة المثبَّتة في الأرض”، أو “موضع” أو “مكان”. من هنا استلهمنا التسمية. في الإمبراطورية الرومانية القديمة، كانت “positus” تُستخدم في سياق محطات التوقّف على الطرق لنقل الرسائل. هكذا تكوّنت فكرة “نقاط البريد”، ومنها نشأت الكلمة الإنجليزية “post” للدلالة على نظام البريد، ثم تحوّلت لاحقًا إلى “تعليق إعلان على الحائط”. مع تطوّر وسائل الإعلام والتواصل، لا سيما مع ظهور الإنترنت، وازدياد استخداماته، وما تبعه من فورة وسائل التواصل الاجتماعي، صار الاستخدام الحديث لكلمة “بوست” يأتي بمعنى “النشر”. وقد تعرَّبت الكلمة في الاستعمال اليومي، كما حصل مع كلماتٍ مثل: تلفزيون وتلفون. لكلّ ما تقدّم، سنسعى في “البوست” لأن نكون عمودًا مثبّتًا في أرضه، بجذورٍ يُفتَخَرُ بها، وأن نضع حدًّا للكثير من الممارسات الشاذة التي سبقت، ونُؤسِّس لما يترك أثرًا فيما سيأتي. إن أَصَبْنا فلنا أجران، وإن لم نُوَفَّق فنحن مأجورون. “البوست”: جريدة إنسانيّة، عربيّة، وطنيّة، تقدّميّة، تحرّريّة، ثوريّة، جامعة. ومع ذلك، سنسعى لنكون صوتاً صادحاً من أصوات “السُّنّة” المغيبين في لبنان.صوت الذين لا صوت لهم. استعارة من مدرستنا الأم: “السفير”. في وقتٍ انتهى فيه الورق كأداةٍ لانتشار الأخبار بين الناس، نُعيد له اعتباره، ولكن بطريقة “ذكيّة”: ورقةٌ وحيدة… كافية.ورقةٌ ذكيّة تدمج بين مفهوم الورق التقليدي، وتقنيات الهاتف المحمول الحديثة. في حضرة “الأستاذ”… كلّنا تلامذة. كما قالها الراحل جوزف سماحة يومًا عن الصدور في “توقيتٍ صائب”، نستحضر اليوم المفهوم لأننا نراه توقيتًا صائبًا… وإن طال. نستلهم فكرتك التي لم يُتَح لك أن تُحقّقها: أسبوعية، لا يومية، أبعد من الخبر نفسه، في زمنٍ تتسارع فيه الأخبار، وتندفع فيه المعلومات… حدّ التخمة والملل. https://al-post.com/wp-content/uploads/2025/05/al-post-5.mp4 في نسخها المطبوعة، ستحاكي “البوست” دقائق المناطق اللبنانية، لا شمولية الوطن الكبير فحسب. موقعها الإلكتروني سيكون شاملًا، لكن نسختها الورقية ستُوزَّع في المدن والمحافظات والمناطق اللبنانية بنسخٍ محليّة، تُحاكي أخبار وهموم ومشاكل وتطلّعات هذه المناطق وأهلها، على حدة. سنخوض “حروب الناس الصغيرة”، وحكاياتهم الفرديّة والجماعيّة، البسيطة:عن شوارع أفضل، وحياة كيف يمكن أن تتحسّن. وحكايات كثيرة عن “الأطراف”… لم يروِها أحد. في “الزمن الكبير” المعولم، سيكون هناك: “البوست لصيدا”، “البوست لكسروان”، “البوست لطرابلس”، البوست لكلّ مناطق لبنان… أما البداية، فمن أصل الحكاية: من صيدا، بكر كنعان… أولى مدن فينيقيا. “البوست” هي المدماك الأول من مشروعين إعلاميين سيبصران النور بإذن الله تعالى، تِباعًا.ولأن “السُّنّة” هي “الأمّة”، وما عدا ذلك مجرّد أفكار تحتمل الصواب والخطأ،فولادة جريدة إسلامية دوليّة عابرة للحدود والبلدان، والأعراق والمذاهب…مسألةُ وقتٍ لا أكثر.
توزيع الأصوات على المتنافسين في بلدية صيدا بحسب “AI” في وقت تجهد فيه مراكز استطلاعات الرأي، كما الماكينات الانتخابية للمرشحين لتزويد كل لائحة متنافسة في انتخابات بلدية صيدا التي ستجرى غدا، بالأرقام والتحديثات والمتغيرات. وحده نجم هذا الزمن "الذكاء الاصطناعي" يقرأ ويحلل النتائج بدون حسابات ضيقة ولا محسوبيات أو مواربات. لذلك كانت رؤيته للنتائج التي لا تتبناها جريدة "البوست" حتى ظهر هذا اليوم حسب التوزيع المنشور أعلاه
في مدينةٍ تنامُ على بحرٍ وتستيقظُ على عتمةٍ، لم يعُد المواطنُ الصيداوي يُعاني فقط من الأزمات الكبرى، من الكهرباء إلى النفايات والماء، بل باتت التفاصيلُ اليومية، من ركنِ السيارة إلى دخولِ مقهى أو مطعمٍ أو دكّان، تتحوّلُ إلى ميدانٍ قهريٍّ آخر يُضافُ إلى سجلِّ الإذلالِ اليومي، تحت عنوان: “الفاليت باركينغ” فاليت؟ لا بأس. لكن أن تُحوَّل هذه الخدمةُ إلى وسيلةِ هيمنة، إلى “تشبيحٍ مُقنَّن”، إلى زعرناتٍ تعمُّ المدينةَ من دونِ حسيبٍ ولا رقيب؟ هنا تبدأُ المأساة، لا من بابِ السيارات، بل من بابِ الدولةِ الغائبة، والبلديةِ الصامتة، وأصحابِ المصالحِ المتواطئين. سلطة أمر واقع في شارع القناية مثلاً، يتحدث المواطن خالد ق. عن تجربته في هذا الموضوع، ويقول:“ذهبتُ لتناولِ وجبةٍ سريعةٍ في أحدِ المطاعم. لا مناسبة، لا زحمة. ومع ذلك، شابٌّ يحمل مفتاحًا ويرتدي سترةً يطلب مني تسليمَ السيارة مقابل مئة ألف ليرة، وإلّا فأرضُ الله واسعة. والمفارقة أنّ موقفَ الرصيف كان فارغًا!” هكذا تحوّلت الأرصفةُ العامةُ والمواقفُ المجانيةُ إلى مزارعَ خاصّةٍ يُمنع المواطنُ من استخدامها، تحت سطوةِ مَن يدّعون “التنظيم”، وهم في الحقيقةِ شركاءُ في عمليةِ خطفِ المدينة. لا يختلف اثنان على أنّ هذه الممارسة، حتى وإن لبستْ ثوبَ الخدمة، باتت تُملَى على الناسِ دونَ خيار. حالة إنكار أين البلدية؟ هل تراقب؟ هل تمنح التراخيص؟ وهل تُلزِم هذه الجهات بأسعارٍ محدّدة، بحدودٍ جغرافية، بشروطِ السلامة؟أم أنّ الصمتَ سيّدُ الموقف؟ بل أسوأ: في بعضِ مناطق صيدا – تحديدًا في حارةِ صيدا ومحيطها – تُفرض هذه “الخدمة” من خلال ما يُعرف بـ”الحركة”، وهي تسميةٌ يستخدمها البعضُ للإشارةِ إلى جهاتٍ سياسيةٍ أو أمنيةٍ نافذة، ما يجعل من الاعتراضِ فعلًا محفوفًا بالخطر. بل أكثر، هناك من يتحدث عن شبكاتٍ تعمل تحت غطاءِ أحزابٍ أو مرجعياتٍ سياسيةٍ محلية، تفرض “الفاليت” كـ”حقٍّ مكتسب”، وتُوظِّف شبّانًا يُشكّلون نوعًا من الحرسِ الخاص على المالِ العام. لا تستحقُّ صيدا أن تُدار بهذه الطريقة. لا تستحق أن تصبح رهينة “فاليت باركينغ” تحكمه المصالح والبلطجة، بينما مؤسساتها تصمت، وسكانها يئنّون المطاعم: شركاء في الجريمة؟ وإن كان التعدّي على الأرصفةِ مأساة، فإن تواطؤَ بعضِ المؤسساتِ الخاصة هو الفضيحة. في مطاعمَ راقيةٍ كـ”سموكة”، حيث تتجاوزُ الفاتورة ملايينَ الليرات بسهولة، يُفرَض على الزبونِ خدمةُ “الفاليت” رَغْمًا عنه، حتى لو أراد ركنَ سيارته بنفسه على بعدِ أمتار. والمبرر؟ “هكذا هو النظام”. أحدُ أصحابِ المطاعم، طلب عدمَ ذكر اسمه، قال:”نُجبَر على التعاقدِ مع هذه الشركات. وإلا يُمنَع علينا تنظيمُ السير أمامَ المطعم أو تُقطَع الطرق”. والسؤال: من أعطى هؤلاء سلطةَ فرضِ عقوبات؟ من يملك القرارَ في مدينةِ صيدا؟ الدولة؟ البلدية؟ أم جهاتٌ خارجةٌ عن أيِّ رقابة؟ قانونيًّا، هل من شرعيّة؟ بموجب القانون اللبناني، لا يجوز لأي جهةٍ خاصة أن تحتلَّ الملكَ العام أو تُنظّم خدماتٍ عليه دون ترخيصٍ رسمي من البلدية ووزارة الداخلية، وفقًا للمادة 18 من قانون البلديات. كما أن أي تسعيرةٍ تُفرَض على المواطن يجب أن تكون صادرةً بقرارٍ رسمي ومُعلنةً بوضوح. ما يحصل في صيدا يتناقض مع هذا تمامًا. لا شفافية، لا تراخيص علنية، لا رقابة على الأسعار، ولا خريطة واضحة تُحدّد أين يُسمَح وأين يُمنع. أي أن المواطن يخضعُ لمنطقِ الغلبة لا لميزانِ القانون. البلدية الجديدة… أول اختبار صيدا الآن على مفترقِ طرق. انتخاباتٌ بلديةٌ جديدة، وجوهٌ جديدة تُقسِم على “خدمة الناس”، فأين هم من هذه الكارثة اليومية؟ هل سيتصدّى المجلسُ الجديد لهذه الظاهرة؟هل سيضع خطةً لتحريرِ الشوارع من “البلطجة المُرخّصة”؟ أم أن المصالحَ السياسية ستبقى تحكم القرار البلدي؟ المطلوب ليس كثيرًا: إجراءُ مسحٍ شامل لكافةِ خدمات “الفاليت” في المدينة. إعلانُ موقفٍ واضحٍ من الظاهرة ومحاسبةُ الجهات غير المرخّصة. وقفُ استخدامِ الشارع العام كمصدر ابتزازٍ للمواطنين. تفعيلُ الشرطةِ البلدية لمراقبة أيِّ اعتداءٍ على الأملاك العامة. ديوان خدمات من يستلم إدارة صيدا يجب أن يدرك أن المسؤولية لا تقتصر على تنظيم المهرجانات وزراعة الزهور. المطلوب شخصية قيادية لا تهابُ الاتصالات السياسية ولا تخضعُ لضغوطِ النواب والوجهاءِ. رئيسُ بلديةٍ حقيقي لا يردُّ على اتصالٍ من أيِّ جهةٍ سياسية أو أمنية إذا تعارض الطلب مع مصلحةِ المدينة. فلا قيمة لأيّ سلطةٍ إن لم تمتلك الجرأة على كسر يدِ من يمدُّها على المدينة. كرامة المدينة والمواطن ربما يرى البعضُ أن هذه القضية “تفصيل صغير”، لكنها في الحقيقة تمسُّ كرامةَ المدينةِ والمواطنِ معًا.لأن من لا يستطيع ركنَ سيارته بحرية، لن يجرؤ لاحقًا على المطالبةِ بكهرباء أو ماء أو تعليم أو حتى أبسط حقوقه المدنية. ومن لا يحمي الشارعَ العام، لن يحمي المدرسةَ ولا المستشفى ولا السوق. صيدا، بتاريخها وحضارتها ورجالها، لا تستحقُّ أن تُدار بهذه الطريقة. لا تستحق أن تصبح رهينة “فاليت باركينغ” تحكمه المصالح والبلطجة، بينما مؤسساتها تصمت، وسكانها يئنّون. صيدا تستحقُّ أن تستعيد شوارعها، وأن تعود مدينةً حقيقية… لا موقفَ سياراتٍ مدفوعٍ تحت الاحتلال. في العدد المقبل الشركاتُ المُهيمِنةُ على قطاعِ “الفاليت باركينغ”، والمَحميّاتُ السياسيّة، ومَن يقفُ وراءَها كيف تُوزَّعُ الأموالُ المُستباحةُ من جيوبِ الناس، باستغلالِ المرافِقِ العامّة المُتورِّطونَ بالأسماء، وتوزيعُ الولاءات، وتقاسُمُ الشوارعِ والأرصفةِ بين زُعماءِ الأحياءِ والمُتنفِّذين