باتت “سيروب”، التي يرقد فيها أمواتُ عائلات صيدا، إحدى المناطق الأكثر اكتظاظًا بالحياة وصراعاتها. مظهرُها يعكسُ صورةً مُصغّرةً عن تنوّع الوطن، أي عن لعنة الوطن التي لم ينجح في تحويلها إلى مكسب: أهل لبنان وفلسطين، دين الإسلام والمسيحية، طوائف السنّة والشيعة والموارنة، أحزاب “التنظيم” و”المستقبل” و”حزب الله”، زواريب “منير المقدح” وأقاربه
في سُطورِ التاريخِ العسكريّ، قَلّما نجدُ أُمّةً حافظت على حُضورِها القِتاليّ والسياسيّ كما فَعَلَ الفُرس. منذُ قرابةِ 2500 عام، خاضت فارسُ حُروبًا ضدّ أعظمِ القُوى في زمانِها: من الإغريقِ إلى الرومان، من الخُلفاءِ إلى التتار، ومن الإمبراطورياتِ العثمانيّة إلى حُروبِ الخليجِ الحديثة. تغيّرتِ الحُدود، وتبدّلتِ الأنظمة، لكنّ “عقلَ الحربِ” الفارسيّ ظلَّ فاعلًا ومُتطوّرًا، من سيفِ داريوس الكبير إلى صواريخِ ومُسيّراتِ قاسم سُليماني الأخمينيّون وسِحرُ القوّةِ المُنظّمة بدأت فارسُ التاريخيّةُ مع الإمبراطوريّةِ الأخمينيّة (٥٥٠–٣٣٠ ق.م)، التي أسّسها كورش الكبير، وبلغت ذُروتها مع داريوس الأوّل. امتدّتِ الدولةُ من نهرِ السِّند شرقًا إلى حُدودِ أوروبا غربًا. أبرزُ المعارك: ماراثون (٤٩٠ ق.م): هزيمةُ الفرس على يدِ الإغريق كانت صدمةً استراتيجيّة، رغم تفوّقهم العدديّ. سلاميس (٤٨٠ ق.م): المعركةُ البحريّة التي غيّرت مجرى الحرب. فشلتِ البحريّةُ الفارسيّةُ بسبب ضعفِ خبرتِها مقارنةً بالإغريق. بلاتيا (٤٧٩ ق.م): نهايةُ طُموحِ الفُرس في احتلالِ اليونان. التميُّز: التنظيمُ الإداريُّ المُذهل للجُيوش. الطُّرقُ المُعبّدة لنقلِ الجُنود (“الطريقُ الملكيّ”). أوّلُ تجربةٍ إمبراطوريّةٍ مركزيّةٍ مُتعدّدةِ القوميّات. الساسانيّون والرّومان: صراعُ القُوّتَين العُظميَين مع سقوطِ الإسكندر، عادَ الفُرسُ للظُهورِ بقُوّةٍ مع الدولةِ الساسانيّة (٢٢٤–٦٥١ م). كانت هذه المرحلةُ ذروةَ التنافُسِ مع الإمبراطوريّةِ الرومانيّة. أبرزُ المحطّات: معركةُ إديسا (٢٦٠ م): أَسْرُ الإمبراطور فاليريان كان صفعةً مدوّيةً لروما. الحربُ الساسانيّةُ البيزنطيّة (٦٠٢–٦٢٨): شملت احتلالَ القدس ودمشق ومِصر لفترةٍ محدودة، قبل أن يُجبَرَ كِسرى الثاني على التراجعِ بفعلِ حربِ استنزافٍ بيزنطيّة. السِّلاحُ السِّرّي: استخدامُ الفِيَلةِ في المعارك. تطويرُ سلاحِ الفرسانِ الثقيل (الفرسان المُدرّعين – الكاتافراكت). الزّلزالُ العربيّ: القادسيّة ونهايةُ إمبراطوريّة في القرنِ السابع، قَلَبَ العربُ الطّاولة. اصطدمَ الساسانيّون بالجيشِ الإسلاميّ في معركةِ القادسيّة (٦٣٦ م)، التي انتهت بانهيارِ الدولةِ وفتحِ فارس. رغم الهزيمة، لم تُقبر الثقافةُ العسكريّةُ الفارسيّة، بل أُعيدَ تدويرُها داخلَ الدولةِ الإسلاميّةِ الناشئة، واستُفيدَ من تكتيكاتِهم في التنظيمِ الإداريّ والعسكريّ، ومنها فكرةُ “الدواوين” و”الفرسانِ المُقاتلين”. الفُرسُ والمغول: الصدمةُ ثم التماهِي عندما اجتاحَ المغولُ العالم، لم تَنجُ فارس. دُمِّرت مدنٌ مثل نيسابور وهمَدان وبغداد، وقُتل الملايين. لكنّ الفُرس سرعانَ ما عادوا، فاحتضنوا حُكّامَ الإيلخانيّين وجعلوا من تبريزَ مركزًا علميًّا وثقافيًّا. في هذه المرحلة، ظهر سلاحٌ جديد: “المرونةُ السياسيّة والثقافيّة”، فصارت القُوّةُ الناعمةُ أداةَ بقاء. الصفويّون والعثمانيّون: الدِّينُ كسلاح في القرنِ السادسِ عشر، ظهرت الدولةُ الصفويّة (١٥٠١–١٧٣٦)، وأَسّست المذهبَ الشيعيّ الاثني عشريّ مذهبًا رسميًّا. أبرزُ المعارك: جالديران (١٥١٤): هزيمةُ إسماعيل الصفويّ أمام العثمانيّين بسببِ تفوّقِهم في السِّلاحِ الناريّ. معاركُ مُتكرّرة على العراقِ والقوقاز: سباقُ نُفوذٍ مذهبيٍّ واستراتيجيٍّ بين شيعةِ فارس وسُنّةِ العثمانيّين. الميزة: تحويلُ الدِّين إلى أداةِ تعبئةٍ وتجنيدٍ عبرَ فِرَق “القَزلباش”. ظُهورُ مفهوم “ولايةِ الإمامِ المُجاهد”، الذي ستُبعثُ روحُه لاحقًا في نظامِ “ولايةِ الفقيه”. إيران القاجاريّة والبهلويّة: عصرُ الانحدار في الفترةِ ما بين القرنينِ ١٨ و٢٠، عانت إيران من التدخّلِ الأجنبيّ، فخَسرت أراضيَ شاسعةً للروسِ والبريطانيّين، أبرزُها في معاهدتَي تركمانشاي وجُولستان. انهارَ الجيشُ القاجاريّ، وأُعيد تنظيمُه جزئيًّا على يدِ رضا شاه بهلوي في ثلاثينيّاتِ القرن العشرين. رغمَ ذلك، ظلّت إيران بعيدةً عن الجبهاتِ الكبرى في الحربَينِ العالميّتَين، واقتصرَ دَورُها على كونِها ممرًّا استراتيجيًّا. الحربُ العراقيّة الإيرانيّة: مدرسةُ الدّمِ والموت بعد الثورةِ الإسلاميّة عام ١٩٧٩، دخلت إيران أطولَ حروبِ القرن مع العراق (١٩٨٠–١٩٨٨). مليونُ قتيلٍ وجريح. حربُ خنادقَ ومشاةٍ ومُسيّراتٍ بدائيّة. استَخدمت إيران البُعدَ الدِّينيّ لتجنيدِ المُتطوّعين عبر “بَسيج”. وُلدت أسطورةُ “الشهادة” والانتحارِ ضدَّ الدبّاباتِ والغازاتِ الكيماويّة. هذه الحربُ غيّرت العقيدةَ العسكريّة الإيرانيّة: من الجيوشِ النظاميّة إلى المرونةِ الشعبيّة، والاعتمادِ على الحربِ الطويلة والاستنزاف. إيران الحديثة: حُروبُ الوكالةِ في أربعِ عواصم بعد عام ٢٠٠٣، وعبرَ الحرسِ الثوريّ وفيلقِ القدس، نقلت إيران ساحةَ المعركة من داخلِ حُدودِها إلى العالمِ العربيّ. أسلحتُها: حزبُ الله في لبنان. الحشدُ الشعبيّ في العراق. الحوثيّون في اليمن. التحالفُ مع النظامِ السوريّ. تسليحُ فصائلَ فلسطينيّةٍ كـ”حماس” و”الجهاد الإسلاميّ”. الميزةُ الحديثة: حربٌ سيبرانيّة: مثل الهجماتِ على البُنى التحتيّة الإسرائيليّة والسعوديّة. مُسيّراتٌ دقيقة: استُخدمت في العراق والسعودية وسوريا و”أرعبت” إسرائيل. الحربُ النفسيّة والمعلوماتيّة: تصويرُ سليماني كـ”فاتحِ الشرقِ الجديد”، حتى بعد اغتياله. اليوم، يُخوضُ الصِّراعُ ليس مع روما أو أثينا، بل مع واشنطن وتل أبيب عقلُ فارسَ لم يَمُت من الإمبراطوريّةِ الأخمينيّة إلى الجمهوريّةِ الإسلاميّة، يتكرّر النمطُ ذاتُه: حربٌ طويلةُ النَّفَس، مرنة، عقائديّة، لا تَركُن إلى التكنولوجيا فحسب، بل إلى الإنسانِ العقائديّ. اليوم، يُخوضُ الصِّراعُ ليس مع روما أو أثينا، بل مع واشنطن وتل أبيب والرياض. لكن كما في سلاميس والقادسيّة وجالديران، تبقى النتيجةُ مرهونةً ليس بعددِ الصواريخ فقط، بل بمدى قُدرةِ فارسَ على التكيّف… كما فَعَلَت طوالَ ألفَين وخَمسِمئةِ عام.
عقدَ المجلسُ البلديُّ الجديد في مدينة صيدا اجتماعَهُ الأوّل بعد ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 17 حزيران الجاري، في مبنى البلدية لتشكيل لجانه الاختصاصية، حيث ناقشَ المجتمعون اللجانَ البلديةَ المنوي إنشاؤها، لتشكّل الأطرَ المناسبةَ لبحث المشكلات التي تواجه المدينة، من خلال اختصاص كل لجنة، واقتراح الحلول المناسبة لاتخاذ القرار بشأنها في المجلس البلدي. توزّع أعضاءُ المجلسِ على اللجان، التي بلغ عددها 21 لجنة، وتمّ الاتفاقُ على رئيسٍ لكلّ لجنة، باستثناء اللجنة الرياضية التي تجري مشاوراتٌ للاتفاق على رئاستها. كما لم يُجرِ تشكيلُ لجنةٍ لمتابعة المولّدات الكهربائية الخاصة في المدينة. لوحِظ أن عددًا من أعضاء المجلس سيشارك في أكثر من خمس لجان، وهذا الأمر يُشبه ما جرى في المجلس البلدي السابق، حيث لم تكن اللجان فاعلة، وبعضها لم يجتمعْ إلا مراتٍ قليلة خلال فترة تسعة أعوام. أتت نتائجُ الانتخابات البلدية الأخيرة لتُخالفَ تاريخَ المجالسِ البلدية السابقة منذ عام 1998، إذ للمرة الأولى يأتي مجلسٌ بلديٌّ يضمّ ممثلين عن قوى سياسية تقليدية، كانت تتحاصص المجلس في المراحل السابقة، إلى جانب أعضاء بلديةٍ مستقلّين لا يرتبطون بقوى سياسية مسؤولة في المجالس السابقة عن إشاعة الفوضى في المدينة وعن الانتهاكات التي تعرّضت لها، لذلك، كان لا بدّ عند بعض الجهات من إيجاد مخارجَ لاستعادة السيطرة على المجلس الجديد. اقتراح مريب من هنا، جرت محاولةُ تمريرِ اقتراحٍ بأن تضمّ اللجانُ البلدية، إلى جانب أعضاء المجلس البلدي، مرشحين من اللوائح المتنافسة، والذين لم يُحالفهم الحظ بالوصول إلى المجلس، من دون إشراكِ آخرين من المجتمع المحلي والمدني. خطورةُ هذا الاقتراح تكمن في أنّه يحاول إعادة الإمساك بقرارات المجلس البلدي لمصلحة القوى التي كانت ممسكةً به خلال العهدين السابقين. كما يحاول البعضُ اقتراحَ أسماءٍ ليكونوا أعضاء في اللجان، تفوح منها رائحةُ الفساد خلال الفترة السابقة. لذا، من المهمّ تحديدُ مواصفاتِ أعضاء اللجان، وألّا تكون عليهم شبهةُ فساد. من المهمّ جدًّا أن تبادرَ اللجان، وبأسرع وقت ممكن، إلى وضع خططٍ تنفيذية للمهامّ المنوطة بها، وخصوصًا أن الوضع في المدينة يزداد تسارعًا في التدهور.