لَمْ يَكُنِ العَشاءُ الرَّسْمِيُّ الَّذي جَمَعَ الرَّئيسَ الأَميرِكِيَّ دونالد تْرامب بالمَلِكِ تشارلز الثَّالِثِ في قَصْرِ وِنْدسور حَدَثًا بُرُوتُوكُولِيًّا عابِرًا. وَراءَ الأَطْباقِ الفِضِّيَّةِ وَالكُؤوسِ الكِرِسْتالِيَّةِ جَلَسَ لاعِبُونَ مِن نَوْعٍ آخَر: رُؤَساءُ كُبْرى شَرِكاتِ التِّكْنُولوجيا في العالَم، مِن “آبِل” وَ”مايْكروسوفْت” إِلى “إِنْفيديا” وَ”أوبِن إيه آي”… هكَذا تَحَوَّلَ قَصْرٌ مَلَكِيٌّ بريطانيٌّ إِلى ما يُشْبِهُ “مائِدَةً مُسْتَديرَةً” لِصِياغَةِ التَّوازُناتِ المُقْبِلَةِ بَيْنَ السِّياسَةِ وَالابْتِكارِ، بَيْنَ العَرْشِ التَّقْلِيدِيِّ وَعَرْشِ المُسْتَقبَلِ. السِّياسَةُ وَالتِّقْنِيَةُ: تَحالُفُ الضَّرُورَةِ تاريخِيًّا، كانَتِ المآدِبُ المَلَكِيَّةُ مَسْرَحًا لِتَحالُفاتٍ عَسْكَرِيَّةٍ أَوْ صَفَقاتٍ تِجارِيَّةٍ. أَمَّا اليَوْمَ، فَإِنَّ المَشْهَدَ تَغَيَّرَ: الحُلَفاءُ الجُدُدُ لَيْسُوا جَنَراتٍ وَلا تُجّارَ سِلاحٍ، بَل عَمالِقَةُ الخَوَارِزْمِيّاتِ وَالرَّقاقاتِ.حُضُورُ تِيم كوك وَساتِيا نادِيلا وَسام أَلْتْمان لَمْ يَكُنْ مَجَرَّدَ دَعْوَةٍ شَرَفِيَّةٍ، بَل إِشارَةً واضِحَةً إِلى أَنَّ السِّياسَةَ لا تَسْتَطِيعُ إِدارَةَ الصِّراعِ الدُّوَلِيِّ دُونَ رَأْسْمالٍ تِكْنُولوجِيٍّ يُوازي أَوْ يَتَفَوَّقُ عَلَى الرَّأْسْمالِ المالِيِّ وَالعَسْكَرِيِّ.فَالتِّقْنِيَةُ اليَوْمَ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ صِناعَةٍ، بَل ساحَةَ سِيادَةٍ. مَنْ يَمْتَلِكِ الذَّكاءَ الاصْطِناعِيَّ وَالحَوْسَبَةَ الكَمِّيَّةَ وَشَرائِحَ المُعالِجاتِ الفائِقَةِ، يَمْتَلِكْ أَدَواتِ النُّفُوذِ الجُيُوسِياسِيِّ وَالقُدْرَةَ عَلَى إِعادَةِ رَسْمِ خَرائِطِ القُوَّةِ. السِّياسَةَ لا تَسْتَطِيعُ إِدارَةَ الصِّراعِ الدُّوَلِيِّ دُونَ رَأْسْمالٍ تِكْنُولوجِيٍّ يُوازي أَوْ يَتَفَوَّقُ عَلَى الرَّأْسْمالِ المالِيِّ وَالعَسْكَرِيِّ. اخْتِيارُ قَصْرِ وِنْدسور لِهذِهِ المَأْدُبَةِ لَمْ يَكُنْ بِلا دَلالَةٍ. فَالقَلْعَةُ الَّتي شَكَّلَتْ رَمْزًا لِلثَّباتِ المَلَكِيِّ البِريطانيِّ عَبْرَ قُرُونٍ، تَحَوَّلَتْ فَجْأَةً إِلى مَنْصَّةٍ رَمْزِيَّةٍ لِتَلاقِي العُرُوشِ القَدِيمَةِ بِالجَدِيدَةِ.إِذا كانَ العَرْشُ البِريطانيُّ يَسْتَمِدُّ قُوَّتَهُ مِنَ الإِرْثِ، فَإِنَّ “عَرْشَ السِّيلِيكُون” يَسْتَمِدُّ سُلْطَتَهُ مِنَ المُسْتَقبَلِ.العَشاءُ بَدا وَكَأَنَّهُ مَشْهَدٌ مِنْ مَسْلَسِلِ “صِراعُ العُروش”، لَكِنْ بِأَدَواتٍ حَدِيثَةٍ: المُلُوكُ وَالرُّؤَساءُ يَجْلِسُونَ إِلى جانِبِ مُلُوكِ التِّكْنُولوجيا، في تَحالُفٍ يُحَدِّدُ مَنْ سَيَمْلِكُ زِمامَ السُّلْطَةِ في العَقْدِ المُقْبِلِ. الاسْتِثْمارُ سِلاح في لُعْبَةِ القُوَى خِلالَ اللِّقاءِ، جَرَى الحَديثُ عَنْ اسْتِثْمارَاتٍ بِعَشَراتِ المِليارَاتِ في مَجالِ الذَّكاءِ الاصْطِناعِيِّ وَالتِّقْنِياتِ النَّظِيفَةِ، وَهُوَ ما قَدْ يُقَدِّمُ لِلْمَمْلَكَةِ المُتَّحِدَةِ دَفْعَةً اقْتِصادِيَّةً تَعْويضِيَّةً في ظِلِّ أَزَماتِها الدّاخِلِيَّةِ.لَكِنَّ السُّؤالَ الجَوْهَرِيَّ: مَنْ المُسْتَفِيدُ الحَقِيقِيُّ؟ هَلْ بريطانيَا الَّتي تَسْتَضِيفُ، أَمِ الشَّرِكاتُ الَّتي تَسْعَى لِتَمَدُّدِ نُفُوذِها؟الأَمْرُ أَشْبَهُ بِصَفْقَةِ وَلاءٍ جَدِيدَةٍ: التِّقْنِيَةُ تُعْطِي السِّياسِيِّينَ شَرْعِيَّةً اقْتِصادِيَّةً، وَالسِّياسَةُ تُعْطِي الشَّرِكاتِ شَرْعِيَّةَ نُفُوذٍ عالَمِيٍّ. التِّكْنُولوجيا كَأَدَاةٍ لِلهَيْمَنَةِ لا يُمْكِنُ فَصْلُ هذِهِ الصُّورَةِ عَنْ سِباقِ القُوَى الكُبْرَى. الوِلاياتُ المُتَّحِدَةُ تَرى أَنَّ اسْتِثْمارَها في أُورُوبّا عَبْرَ التِّكْنُولوجيا يُعَزِّزُ مَكانَتَها أَمامَ الصِّينِ الَّتي تُنافِسُ في الذَّكاءِ الاصْطِناعِيِّ وَالرَّقائِقِ.بريطانيَا بِدَوْرِها تَبْحَثُ عَنْ مَكانٍ آمِنٍ في “نِظامٍ عالَمِيٍّ جَدِيدٍ” يَتَشَكَّلُ عَلَى أَعْيُنِ الخَوَارِزْمِيّاتِ. أَمَّا الشَّرِكاتُ العِمْلاقَةُ، فَهِيَ تُدْرِكُ أَنَّ بَقَاءَها عَلَى العَرْشِ يَتَطَلَّبُ عَلاقاتٍ وَثِيقَةً بِالسِّيادَةِ السِّياسِيَّةِ، مَهْما كانَ شَكْلُها. عُرُوشٌ بِلا تِيجانٍ العَشاءُ المَلَكِيُّ في وِنْدسور لَمْ يَكُنْ مَجَرَّدَ طَقْسٍ تَقْلِيدِيٍّ، بَل إِعْلانًا عَنْ طَبِيعَةِ المَرْحَلَةِ المُقْبِلَةِ: السِّياسَةُ لَمْ تَعُدْ تَكْفِيها الجُيُوشُ وَلا المَصَارِفُ، بَل تَحْتاجُ إِلى سِيلِيكُون يُوازي الذَّهَبَ وَالنِّفْطَ. في عالَمٍ تَتَغَيَّرُ فِيهِ قَواعِدُ اللُّعْبَةِ، قَدْ نَجِدُ أَنَّ العُرُوشَ الحَقِيقِيَّةَ لَمْ تَعُدْ في القُصُورِ وَلا البَرْلَماناتِ، بَل في مُخْتَبَراتِ الذَّكاءِ الاصْطِناعِيِّ وَمَراكِزِ البَياناتِ. وَهَكَذا، يُصْبِحُ السُّؤالُ: هَلِ السِّياسِيُّونَ هُم مَنْ يَسْتَخْدِمُونَ التِّقْنِيَةَ لِتَرْسِيخِ نُفُوذِهِم، أَمِ التِّقْنِيَةُ هِيَ مَنْ تَسْتَخْدِمُ السِّياسِيِّينَ لِتَوْسِيعِ سُلْطانِها؟
تمر ذكرى رحيل الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله، ليس كحدث عابر، بل كجرس إنذار يعلن نهاية حقبة كاملة. فالرجل الذي احتكر الصورة والكلمة والقرار لعقود، ترك خلفه جسداً تنظيمياً مترهلاً يبحث عن رأس بديل. ومع صعود نائبه، نعيم قاسم، إلى منصب الأمانة العامة، بدا المشهد أشبه بمسرحية انطفأت أضواؤها فجأة؛ فصعد الممثل الاحتياطي إلى خشبة خالية، بلا حماس من الجمهور، وبلا قدرة على إقناع نفسه بالدور الجديد. لغة الأرقام الصادمة بعيداً عن الخطابات الرنانة، تتحدث الأرقام لغة قاسية لا تعرف المجاملة، وترسم صورة قاتمة لمستقبل الحزب:تراجع شعبي حاد: هوى التأييد الشعبي في البيئة الحاضنة للحزب من ذروة بلغت 82% عام 2006 إلى ما يقارب 51% في عام 2025. هذا يعني أن نصف جمهوره تقريباً قد سحب ثقته من المشروع الذي كان يلتف حوله. أزمة مالية خانقة: تقلص التمويل الإيراني بأكثر من 40% خلال السنوات الخمس الماضية، مما أجبر قيادة الحزب على تخفيض رواتب المقاتلين بنسب تتراوح بين 20% و30%. هذه الخطوة دفعت العديد من العناصر إلى البحث عن مصادر رزق بديلة أو حتى الهجرة. جيل جديد بلا أفق: أكثر من 60% من الشباب في البيئة الشيعية لم يعودوا يرون مستقبلهم في “المقاومة”، بل بات حلمهم تذكرة سفر أو عقد عمل في الخارج.هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات جامدة، بل هي بمثابة إعلان إفلاس تدريجي لمنظومة كاملة بُنيت على كاريزما فرد واحد. في ذكرى غياب “السيد”، تتضح المعادلة بلا مواربة: حزب الله اليوم هو جسد ضخم بلا رأس، يقوده رجل لا يملك من القيادة سوى لقبها الرسمي مدير تنفيذي في زمن الانهيار في هذا السياق، يظهر نعيم قاسم. الرجل الذي يُقدَّم كخليفة، يبدو في الواقع أقرب إلى “موظف أرشيف” يقرأ من أوراق صفراء بالية، لا إلى زعيم ملهم. خطابه يفتقر إلى الجاذبية، وإيقاعه بطيء، وعباراته تخرج كمن يقرأ نشرة إدارية مكررة. حتى ملامحه في الصور لا تحمل سمات القائد، بل سمات موظف مرهق في نهاية يوم عمل طويل. الفارق بينه وبين سلفه شاسع. كان نصرالله يملأ الشاشة بحضوره الصوتي والجسدي، بينما يكاد قاسم يملأ القاعة بظله. لقد انتقل الدور من “القائد” إلى “المُلقِّن” الذي يقف خلف الكواليس. حتى طهران، الراعي الإقليمي، لم تعد ترى فيه سوى “مدير تنفيذي” لشركة متعثرة، مهمته إدارة الأزمة لا صنع القرار. من “هيبة السلاح” إلى “عبء الخبز” داخلياً، يعيش الحزب تناقضاً صارخاً: كيف يمكنه رفع رايات “الانتصارات الإلهية” بينما يغرق جمهوره في البحث عن حليب لأطفاله أو دواء لمرضاه؟ لقد فقدت شعارات “القداسة” قيمتها أمام فاتورة الكهرباء، وتحول السلاح الذي كان يوصف بـ”سلاح الكرامة” إلى عبء يفاقم عزلة لبنان وانهياره الاقتصادي. الحزب الذي كان يرعب خصومه، بات اليوم يخشى تململ أنصاره. الهيبة تتآكل من الداخل، لا من الخارج. إقليمياً، لم يعد حزب الله اللاعب الأبرز في “محور الممانعة”. ففي سوريا، يستمر نزيفه البشري والمادي بلا أفق. وفي العراق واليمن، تتقدم أذرع أخرى على حسابه. لقد كشف غياب نصرالله حجم الهشاشة البنيوية، وأثبت أن نعيم قاسم لا يملك القدرة على ترميم صورة أسطورية بدأت بالتلاشي. من الأسطورة إلى التخبط في ذكرى غياب “السيد”، تتضح المعادلة بلا مواربة: حزب الله اليوم هو جسد ضخم بلا رأس، يقوده رجل لا يملك من القيادة سوى لقبها الرسمي. لقد انتقل الحزب من زمن القائد الذي يصنع الأوهام، إلى زمن الموظف الذي يوقّع على أوراق الانهيار.إنه تحول مؤلم من “ذراع إيران الضاربة” إلى شركة خاسرة تبحث عمن يدير إفلاسها، ومن “قداسة المقاومة” إلى حمل ثقيل على جمهور يطالب بالخبز قبل الرصاص. إنه الانتقال الحتمي من زمن الأسطورة إلى زمن الشفقة.
إنها لحظةٌ تاريخية في مجلس الأمن الدولي. في سابقةٍ دبلوماسيةٍ برعايةٍ سعودية–فرنسية، شهد مجلس الأمن الدولي مساء أمس إعلان خطواتٍ متقدّمة لإحياء حلّ الدولتين، ترافق مع اعتراف بريطانيا، كندا وأستراليا بدولة فلسطين. هذا التطوّر، وإن بدا سياسيًا في جوهره، فإنّه يستند إلى تراكمٍ قانوني طويل الأمد: من قرار الجمعية العامة 181 عام 1947 (خطة التقسيم)، مرورًا بالقرار 242 لعام 1967 الذي طالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وصولًا إلى التزامات اتفاقيات جنيف التي تحظر ضمّ الأراضي بالقوّة إعادة الاعتراف بهذه المرجعيات لا يمثّل منحةً سياسية للفلسطينيين، كما يروّج خصوم الخطوة، بل استعادةً متأخّرةً لاستحقاقاتٍ قانونية ظلّت معلّقة لعقود. من الرعاية إلى إعادة صياغة الوساطة دور السعودية وفرنسا لم يكن بروتوكوليًا. الرياض عادت لتضع على الطاولة جوهر مبادرتها العربية للسلام (2002)، في وقتٍ تسعى فيه لترسيخ موقعها كمحور توازنٍ إقليمي أمام تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية. أمّا باريس، فقد قدّمت الاعتراف كجزءٍ من “رهانٍ أوروبي” على إعادة الشرعية لمسار الدولتين، في ظل انسدادٍ سياسي طويل الأمد. هذه الرعاية المزدوجة تحمل في طيّاتها ما هو أبعد من إعلانٍ سياسي: محاولة لإعادة تشكيل معادلة الوساطة الدولية بعد فشل أوسلو، وتآكل رعاية واشنطن الحصرية للعملية السلمية. ما جرى في مجلس الأمن يفتح نافذةً جديدة، لكنّه يطرح سؤالًا أعمق: هل تتحوّل الاعترافات المتفرّقة إلى مسارٍ مُلزم قانونيًا وسياسيًا، أم تبقى أوراقًا رمزية تُستثمر في لعبة توازنات القوى؟ الصحافة البريطانية: “المغامرة” و”جائزة الإرهاب” ردّ فعل الإعلام البريطاني عكس الانقسام العميق في الرأي العام: The Guardian قدّمت الاعتراف كخطوة نحو ترسيخ السلام. Financial Times أبرزت البُعد الدولي المتعدّد الأطراف. في المقابل، Daily Mail وThe Times اعتبرتا الخطوة “جائزة للإرهاب”، وصاغتا السردية من منظور جراح عائلات الأسرى الإسرائيليين. Metro وصفتها بـ”المقامرة الكبرى”، ما يعكس المخاوف الداخلية من انعكاسات القرار على المشهد السياسي البريطاني. بهذا، تحوّل حدثٌ قانوني–دبلوماسي إلى مادةٍ سجالية داخلية تُستخدم لتثبيت أو تقويض شرعية حكومة ستارمر. الصحافة الفرنسية: بين الأخلاق والسياسة الصحافة الفرنسية أظهرت تمايزًا واضحًا عن نظيرتها البريطانية: La Croix قدّمت الاعتراف كلحظةٍ أخلاقية وإنسانية. Libération احتفت به كخطوةٍ تاريخية تنهي التردّد الفرنسي. Le Monde قدّمت قراءةً تحليلية لمسار التحوّل البطيء لباريس، تحت ضغوطٍ داخلية وخارجية. أمّا Le Parisien فقد صاغت الاعتراف كـ”رهان محفوف بالمخاطر”، مع إشارةٍ واضحة إلى حسابات العلاقة مع واشنطن. هذا التباين يعكس ثنائيةً فرنسية تقليدية: بين خطاب القيم الجمهورية وخطاب المصالح الجيوسياسية. في مواجهة الروايات السياسية في الجوهر، يبقى الاعتراف بدولة فلسطين تفعيلًا لمبدأ حقّ تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. لكنّه في فضاء الإعلام تحوّل إلى ساحة صراعٍ سردي: هل هو تكريسٌ للشرعية الدولية، أم تنازلٌ استراتيجي يمنح “حماس” مكسبًا غير مستحقّ؟ إنّ ما جرى في مجلس الأمن يفتح نافذةً جديدة، لكنّه يطرح سؤالًا أعمق: هل تتحوّل الاعترافات المتفرّقة إلى مسارٍ مُلزم قانونيًا وسياسيًا، أم تبقى أوراقًا رمزية تُستثمر في لعبة توازنات القوى؟ بين قاعة مجلس الأمن وصفحات الجرائد، يتّضح أنّ معركة الاعتراف بدولة فلسطين ليست فقط قضية سياسية، بل معركة على تعريف الشرعية نفسها: شرعية القانون الدولي من جهة، وشرعية السرديات الإعلامية من جهةٍ أخرى. إذا كان الاعتراف المتعدّد الأطراف يعيد إحياء حلّ الدولتين على الورق، فإنّ ترجمته إلى واقعٍ تفاوضي ستعتمد على ما إذا كان الدور السعودي–الفرنسي قادرًا على تجاوز إرث عقودٍ من فشل الوساطات السابقة، وإقناع الأطراف المتنازعة بأنّ القانون الدولي لم يعد خيارًا مؤجّلًا، بل قاعدة مُلزِمة لمسارٍ جديد.