ظاهرةٌ “شاذّة” جديدة تُضافُ إلى ظواهرَ كثيرةٍ مِثلَها تُعاني منها مدينةُ صيدا على أكثرَ من صعيدٍ، وباتت مُكرَّسةً بحُكمِ قوّةِ الأمرِ الواقع، دونَ حسيبٍ ولا رقيبٍ. المكان: الكورنيش البحري الجديد في صيدا، مقابل مدرسة “المقاصد”. إنّه الشارعُ الفرعيّ العريضُ الموازي لأوتوستراد الجنوب الداخليّ، الذي حوَّله عددٌ من أصحاب المقاهي المخالفين أصلاً بطاولاتهم وكراسيهم وخيمهم، إلى موقفٍ خاصٍّ لروّادِهم دون أحد سواهم. فقد شكا عددٌ من أهالي المدينة من منعِ أصحابِ هذه البسطات غيرِ القانونيّة السيّارات من الرَّكن في هذا الشارع، إن لم يكن أصحابُها يريدون الجلوس أو الشراء من البسطات هناك. كما شكا الأهالي لـ”البوست” من تحوُّل المنطقة إلى مرآبٍ كبيرٍ للشاحنات، التي يتعامل سائقوها مع المكان والشارع باعتبارِه بيتَهم الثاني، في الليل والنهار…. من الطبيعيّ أن تتزايد هكذا ظواهرُ مع شعور المواطنين بتراخي البلديّة عن أداء دورها وتطبيق القوانين. وإذا كان الأعضاء يتقاتلون فيما بينهم على تنظيف الشوارع ، فهذا شارعٌ برسمِ جهودِكم الطيبة للتنظيف، ليس من الأوساخ فحسب!
على الرغم من أنّ محمّد السعودي يُعتبَر “عَرّابَ” رئيس البلدية الحالي مصطفى حجازي، الذي عمل تحت جناحه و”بمعيّته” لسنوات طوال، وكان للسعودي الكثير من “الأفضال” على العضو السابق في فريقه، حتى في وصوله إلى منصبه الحالي، إلّا أنّ الخلاف انفجر بين الرجلين منذ أيّام قليلة. فقد علمت “البوست” من مصادر متابعة أنّ مردّ الخلاف وقع بين الرئيس السابق والرئيس الحالي على خلفية منح تراخيص لخمس لوحات إعلانية كبيرة في شوارع المدينة تعود لأحد أبناء صيدا العاملين في القطاع الإعلاني، كانت البلدية السابقة قد منحته إياها. وأشارت المصادر إلى أنّ مجموعة التراخيص والمستندات المطلوبة قد تمّ الاستحصال عليها لهذه الغاية منذ مدّة، لكنّ التأخير في تركيب اللوحات حصل لأسباب مختلفة، وقد تدخّل السعودي لدى حجازي باعتبار أنّ الأمر “منتهٍ”، لكنّه فُوجِئ بالرئيس الجديد يسحب رخصتين من الخمسة ويتذرّع بأعذار كثيرة تهرّبًا من الموضوع، ما أدّى إلى “زعل” السعودي وترك الموضوع آنيًّا لحين عودته من السفر.
لا نعلمُ بعدُ كم على صيدا أن تدفعَ دمًا كي يتحرَّك هؤلاء المتربِّعون على كراسي المسؤولية ليوقفوا هذه المذبحةَ المتنقِّلة بين شوارع المدينة وأزقَّتها وأحيائها. لا نعلمُ بعدُ كم على أهلِ صيدا أن يدفعوا ضريبةً بالدمعِ والدمِ والوجعِ ليقومَ محافظٌ أو رئيسُ بلديةٍ أو ضابطٌ مسؤولٌ ويُطبِّق القانونَ، لا أن يخترعَ الذرَّة. صار خبرُ موتِ شبابِ المدينةِ وبناتها وشيوخها ونسائها خبرًا عاديًّا لا يُحرِّك ساكنًا في ضميرِ من هم من أهلِ القرارِ ليتخذوا القرار. صارت الدراجاتُ الناريةُ المتفلِّتةُ من كلِّ قانونٍ وقيمٍ ومسؤوليةٍ أخطرَ علينا من مسيَّراتِ إسرائيلَ الصهيونية. صار هذا الطاعونُ يفتكُ بنا على مهلٍ يوميًّا أكثرَ ممّا تحصده آلةُ الحربِ الإسرائيليةُ الغاشمة. لا نُطالبُكم بأمورٍ ندركُ سلفًا أنّها تفوقُ قدراتِكم الإنسانيةَ والفكريةَ والعقليةَ، جلُّ ما صرنا نطمحُ إليه اليوم هو تطبيقُ القانون، الذي لا يحتاجُ أكثرَ من عشرةِ عناصرَ أمنيّةٍ جادّةٍ تنتشرُ بشكلٍ يوميٍّ على مفاصلَ أساسيةٍ من شوارعِ المدينةِ لفترةٍ زمنيةٍ طويلة، لتُذكِّرَ المستسهِلين بحياةِ الناس أنّه لا يزال هناك دولة، تطبق ولو بالحدِّ الأدنى مبدأ الثوابِ والعقاب. تحتارُ فيما تقولُ عن مجلسٍ بلديٍّ يحتفلُ بطلاءِ أنابيبَ صدئةٍ في مسلخٍ باعتباره إنجازًا تاريخيًّا بحقِّ المدينة، بينما لا يجتمعُ هذا المجلسُ ليحدَّ من مقتلةِ من انتخبهم، بقرارٍ يُلزِمُ المعنيين كلَّهم بتنفيذه. خوذةٌ، وأوراقُ تسجيلٍ رسميةٌ، وتنظيمٌ لسوق “الديلفري” كفيلةٌ بتقليص الفجوةِ التي تكبرُ يوميًّا وتبتلعُ أبناءَنا من أمامنا كالثقبِ الأسود. من المعيبِ حقًّا أن تعرفَ بأنَّ أحدَ أعضاءِ المجلسِ البلديِّ الحاليِّ يُعارضُ في العلنِ مبدأ منعِ الموتوسيكلاتِ في صيدا كما هو قائمٌ اليوم، وتحزنَ عليه وعلى من أوصله بفلتةِ شوطٍ، حين تعلمُ أنّه يُعارضُ ذلك لامتلاكه درّاجةً يتنقّل بها بين بيتِه وشغلِه. العينُ عليك، كما عيونُ الكثيرين، فاحذرْ واحتسبْ ما تقول.