لا نعلمُ بعدُ كم على صيدا أن تدفعَ دمًا كي يتحرَّك هؤلاء المتربِّعون على كراسي المسؤولية ليوقفوا هذه المذبحةَ المتنقِّلة بين شوارع المدينة وأزقَّتها وأحيائها. لا نعلمُ بعدُ كم على أهلِ صيدا أن يدفعوا ضريبةً بالدمعِ والدمِ والوجعِ ليقومَ محافظٌ أو رئيسُ بلديةٍ أو ضابطٌ مسؤولٌ ويُطبِّق القانونَ، لا أن يخترعَ الذرَّة. صار خبرُ موتِ شبابِ المدينةِ وبناتها وشيوخها ونسائها خبرًا عاديًّا لا يُحرِّك ساكنًا في ضميرِ من هم من أهلِ القرارِ ليتخذوا القرار. صارت الدراجاتُ الناريةُ المتفلِّتةُ من كلِّ قانونٍ وقيمٍ ومسؤوليةٍ أخطرَ علينا من مسيَّراتِ إسرائيلَ الصهيونية. صار هذا الطاعونُ يفتكُ بنا على مهلٍ يوميًّا أكثرَ ممّا تحصده آلةُ الحربِ الإسرائيليةُ الغاشمة. لا نُطالبُكم بأمورٍ ندركُ سلفًا أنّها تفوقُ قدراتِكم الإنسانيةَ والفكريةَ والعقليةَ، جلُّ ما صرنا نطمحُ إليه اليوم هو تطبيقُ القانون، الذي لا يحتاجُ أكثرَ من عشرةِ عناصرَ أمنيّةٍ جادّةٍ تنتشرُ بشكلٍ يوميٍّ على مفاصلَ أساسيةٍ من شوارعِ المدينةِ لفترةٍ زمنيةٍ طويلة، لتُذكِّرَ المستسهِلين بحياةِ الناس أنّه لا يزال هناك دولة، تطبق ولو بالحدِّ الأدنى مبدأ الثوابِ والعقاب. تحتارُ فيما تقولُ عن مجلسٍ بلديٍّ يحتفلُ بطلاءِ أنابيبَ صدئةٍ في مسلخٍ باعتباره إنجازًا تاريخيًّا بحقِّ المدينة، بينما لا يجتمعُ هذا المجلسُ ليحدَّ من مقتلةِ من انتخبهم، بقرارٍ يُلزِمُ المعنيين كلَّهم بتنفيذه. خوذةٌ، وأوراقُ تسجيلٍ رسميةٌ، وتنظيمٌ لسوق “الديلفري” كفيلةٌ بتقليص الفجوةِ التي تكبرُ يوميًّا وتبتلعُ أبناءَنا من أمامنا كالثقبِ الأسود. من المعيبِ حقًّا أن تعرفَ بأنَّ أحدَ أعضاءِ المجلسِ البلديِّ الحاليِّ يُعارضُ في العلنِ مبدأ منعِ الموتوسيكلاتِ في صيدا كما هو قائمٌ اليوم، وتحزنَ عليه وعلى من أوصله بفلتةِ شوطٍ، حين تعلمُ أنّه يُعارضُ ذلك لامتلاكه درّاجةً يتنقّل بها بين بيتِه وشغلِه. العينُ عليك، كما عيونُ الكثيرين، فاحذرْ واحتسبْ ما تقول.
في المنطقة المتداخلة بين صلاحيات ثلاث بلديات هي: صيدا – حارة صيدا – والهلالية، عند مستديرة رئيسية يعبرها الآلاف يوميا قرب محطة شمس، بدأت ظاهرة تتنامى وتثير القلق وعدم الرضى والشكوى من قبل الصيداويين وساكني المنطقة، هي اصطفاف عشرات سيارات التاكسي، لاسيّما من نوع “أفانزا”، على جانبي الطريق بشكل يُضايق المارة سيرًا وسيارات.وتساءل أهالي المحلة عن سكوت البلديات المعنية، لاسيّما بلدية الهلالية والقوى الأمنية، عن هذه الظاهرة التي حوّلت الشارع العام إلى مرآب مجاني في الليل والنهار لسيارات التاكسي، وأدّت إلى تضييق الشوارع بشكل بات يُشكّل خطرًا على السلامة المرورية والعامة.في هذا السياق، لفتت مصادر متابعة إلى أنّ هذه الظاهرة ما كانت لتنمو لولا غطاء من قبل البلديات المعنية وخشية من مواجهة أصحاب هذه التكاسي، لكنه أمر لا يمكن السكوت عنه بعد الآن، لا سيما وأن المناطق القريبة مَلأى بالمساحات الفارغة التي يمكن استخدامها لهذا الغرض، لا الشوارع العامة وتهديد حياة الناس بالخطر.
لفتَ نظرَ المهتمين بأوضاع مدينة صيدا، البيانُ الذي أصدرته البلدية بتاريخ ١٤ أيلول ٢٠٢٥، الذي دعت فيه أصحابَ المبادرات للتنسيق المسبق مع البلدية والحصول على موافقة خطيّة منها، وذلك “بعد كثرة التقديمات والمبادرات الطيبة والمشكورة من أبناء صيدا”.وتضمّن البيانُ بنودًا تشترط إلزامَ كلّ صاحب مبادرة بالحصول على موافقة خطية مسبقة، كي تستطيع البلدية تنظيمَ الأعمال وضمانَ سلامتها، وأنّ كل مبادرة لا تلتزم سيتم إيقافُها من قِبَل شرطة البلدية، كما جاء في البيان المذكور. لماذا المبادرات؟ لا يختلفُ اثنان حول قانونية البنود التي تضمنها البيان، الذي أتى بعد مبادرات عديدة نُفِّذت من قِبَل مواطنين من أعضاء المجلس البلدي أو من خارجه، وكان آخرها مبادرة صبّ الباطون في شارع الشاكرية التي بادر إليها الصيدليّ عمر مرجان.لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تحصل هذه المبادرات الآن؟ البعضُ يشير إلى أنّ معظم أصحاب المبادرات يسعى لدور سياسيّ أو سلطويّ في المدينة، والبعض الآخر يشير إلى عدم قيام بلدية صيدا بواجباتها ومهامها ما فتح الباب أمام هذه المبادرات. فضيحة تبليط الشوارع إذا كان بيانُ البلدية قد أتى بعد عملية صبّ الباطون في شارع الشاكرية مباشرة، فإنّ السؤال الملحّ يصير: لماذا لم تُبادر بلدية صيدا إلى إصلاح فضيحة تبليط السوق التجاري التي جرت قبل سنوات؟خلال تنفيذ المشروع المذكور كان النقاشُ يدور حول آلية تنفيذ المشروع وكيفية الإشراف عليه، وكان واضحًا منذ تلك اللحظات أنّ المشروع فاشل وسيُخرّب السوق التجاري بالطريقة التي نُفِّذ فيها، ومع ذلك وافق المجلس البلدي آنذاك على الأعمال ووقّع المعنيون في المجلس البلدي على تسلّم المشروع. اليوم، ومنذ أكثر من شهر، تتداول المعلومات أنّ السلطات المركزية قد أمّنت كمية الزفت المطلوبة لإعادة تزفيت شوارع السوق الأساسية، وأنّ معظم التجار وافقوا على إعادة التزفيت قبل وصول فصل الشتاء، بديلًا من الخراب الذي تعيشه شوارع السوق التجاري، إلا أنّ الحديث يدور حول موقف رئيس جمعية التجار علي الشريف وعدد من التجار الذين يرفضون التزفيت ويصرّون على إعادة التبليط، من دون البحث في طريقة تأمين التمويل اللازم لذلك. بانتظار التجار بالمقابل، يُلاحَظ غيابُ موقف رسميّ وواضح للسلطة المحلية، ويبدو أنّ المجلس البلدي بانتظار أن يحسم التجار موقفهم، ناسيًا مسؤوليةَ البلدية وسلطتَها التقريرية.لا يكفي أن نضع شروطًا لأيّ مبادرة، بغضّ النظر عن النوايا السياسية لأصحابها، المهم أن تلعب البلدية دورَها كمؤسسة مسؤولة عن المدينة، هذا إذا كنا من أصحاب النوايا الحسنة.لأنّه من الجانب الآخر قد تبرز آراء تُبرّر عجزَ البلدية وضرورةَ تلزيمها إلى القطاع الخاص أو جمعيات أهلية.