بعدَ الأوهامِ والمعارك الخيالية التي نُسِجَت في مُخَيَّلة بعضِ السياسيين والعاملين في الشأنِ العام، والتي انطَلَت أيضًا على كثيرٍ من الناس، يبدو أنّ الملفّ القضائيّ الذي كان يُحضَّر بحقّ معملِ النفايات في صيدا وتجاوزاته ومخالفاته قد طَلَعَ فارغًا… بمعنى آخر “فاشوش”. فقد عَلِمَت “البوست” من مصادرَ متابعةٍ أنّ شخصيةً صيداويةً “آملةً” كلَّفَت أحدَ مكاتبِ المحاماة في صيدا لدراسةِ عقودِ ومستندات المعمل، والتشعّبِ في كلّ ما له علاقةٌ بعمله، والبحثِ عن مخالفاته. وأنّ هذه الشخصية الغائبة/الحاضرة قد تَكفَّلَت أيضًا بتكاليفِ دراسةِ الملفّ القانونيّ الذي لم يحتج إلى كثيرٍ من الوقت ليتبيّنَ للمعنيّين أنّ هناك بعضَ الثُّغَراتِ القانونية التي تمّ النَّفاذُ منها، والتي أفضت إلى تكريسِ الواقعِ الحاليّ القائمِ في المعمل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تَبَيَّن أنّ المعملَ قد تَقَدَّمَ بطلبِ ترخيصٍ من وزارةِ الصناعة باعتباره منشأةً صناعية، وقد تَحصَّل على وصلٍ بذلك يتمّ تجديدُه سنويًا، ما يُعطيه شرعيةَ كيانِه كمعملٍ صناعيّ، لا كما قال أحد سياسيي المدينة في أكثر من مناسبة. أما في موضوعِ ملكيةِ المعمل تعود لسعوديين، فقد تَبَيَّن أنّ هناك مادةً قانونيةً تُجيز أن تكونَ أغلبيةُ مالكي الأسهم من غيرِ اللبنانيين. وهكذا انقضى تنظيرٌ طال الحديثُ عنهُ بفاتورةٍ لم تتعدَّ قيمتُها 20.000 دولار دُفِعَت لمكتبِ المحاماة، وآمالٍ انتخابيةٍ عطَّلت تحصيلَ حقوقِ الناس وعلى حساب صحتهم وبيئتهم… إلى حين.
ليس دفاعًا عن بلديةِ صيدا، بل دفاعًا عن صيدا.يحقُّ للصيداويين أن يسألوا — ببراءةٍ وخُبث — تعقيبًا على فيديو انتشرَ عن “الناقد الثقافي” جمال فيّاض مُنتقدًا وِساخةَ شوارعِ المدينة وانتشارَ النفايات فيها: ما هو الرابطُ بين “بَوْرةٍ” خاصّةٍ في مدينةٍ صناعيةٍ في أقصى أطرافِ المدينة، وناقدٍ صحافيٍّ وافدٍ من بيروت؟ ما هو تفسيرُ هذه “الحرقة” التي منعت فيّاض من متابعةِ طريقه، ودفعته للتوقّف جانبَ الطريق نُصرةً لنظافةِ المدينة التي يحرصُ عليها بشدّة؟ ما عملُ زائرٍ مشاركٍ في فاعليةٍ ثقافيةٍ تحتضنها المدينة، بالتجوّل يومَ عُطلةٍ لا يتمّ فيه كنسُ الأوساخ في أزقّة منطقةٍ صناعيةٍ صِرف، يتكرّرُ مشهدُ ما رأيناه فيها كما في أيٍّ من المناطق الصناعية على امتداد الوطن؟ بحسب مصادر مُطَّلعة، لا يندرجُ الفيديو الذي صوّره فيّاض في إطارٍ بَريء، بل هو مقصودٌ من قبل صاحبهِ وجهاتٍ محدودةٍ لتشويهِ صورةِ صيدا وتنميطِها بهذا الشكل الذي يؤثّر على مساعي النهوض التي تقوم بها المدينة على أكثر من صعيد، لا سيما “الثقافي” منها. كما هي محاولةٌ من قبل فيّاض، بعد إفلاسٍ مهنيٍّ واضح، لاستعمالِ موضوعِ صيدا كمَطيّةٍ لزيادة عددِ المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت المنصّةَ الوحيدةَ التي يجدُ فيها حيّزًا للظهور بعدما لفظَتْهُ المحطّاتُ التقليديةُ والتلفزيونات.
مِن حَقِّ مُحَمَّد زيدان “أبو رامي” أن يَسألَ نَفسَه: “لِماذا يَكرهونَني إلى هذا الحَدّ، وأنا الّذي قدَّمتُ لِصَيدا، وتحَديدًا لِـ”البلد”، ما قدَّمتُه على مَدى سِنين، دون أن أَسعَى وراءَ ضَوضاءٍ إعلاميّةٍ، أو صُورةٍ عابِرة، أو جائِزةٍ ما أو تَكريم حاشد؟” مِن المُستغرَب، إنْ لَم يَكُن مِن المُستفِزّ، أن يصدُرَ عن بَلديّةِ صَيدا بَيان رَسميًّ “يثمن” جهود جَمعيّةً على دِهانِ دَرَجٍ في البَلَدِ القَديمة وفنجان قهوة بمواصفات عالمية، في وَقتٍ يَغيبُ فيه أيُّ بَيانِ شُكرٍ لِجُهودِ زيدان ومُؤسَّسَتِه الخيريّةِ على ما تَبذُلُه مِن عطاءاتٍ في صَيدا القَديمة مُنذُ سَنوات. قَد تَفهَم، وقد لا تَفهَم، العَلاقةَ المُلتبِسَةَ القَديمة/المُتجدِّدة الّتي تَجمعُ بَينَ رَئيسِ البَلديّةِ الحالي مُصطفى حِجازي، وشَخصٍ كفَضلِ الله حَسّونة، لكِن مِن الصَّعبِ جِدًّا أن تَجِدَ عُذرًا أو مُبرِّرًا لِأن تُبادِرَ البَلديّةُ إلى إلزامِ نَفسِها بِشُكرِ جَمعيّةٍ على مَشروعٍ قد لا تَتعدّى قِيمتُه الفِعليّة بضعَ آلافٍ مِن الدّولارات، وفي غِيابِ جَدوى مَنفعِيّةٍ جَدّيّةٍ له على المُجتَمَعِ المَحلّي، بَينَما يُنسى زيدانُ الّذي قدَّمَ حتّى الآن أكثرَ مِن 10 ملايين دولار لِترميمِ وتَحسينِ حَياةِ النّاسِ في البَلَد. قد يكون الأصعبُ مِما تَقدَّم، هو بماذا سَيُجيبُ زيدانُ نَفسَه، حينَ يَسألُها عن تَبَنِّيهِ لأكثرَ مِن ثُلثِ أعضاء المَجلِسِ البَلديّ الحالي، وإيصالِهِم إلى مواقِعِهِم الآنيّة؟ أكانَ خِيارًا خَاطئًا، يَندَمُ على اتِّخاذِه؟ صورة الدرج المدهون أدناه: