أخبرتُكَ عن سفينةٍ بأربعةِ قُبَاطِنَةٍ أو حتى أكثر، كلٌّ منهم يقودُها بحسب هواه، هل تصلُ إلى برِّ الأمان؟ هل تستطيعُ الإبحارَ في أمواجٍ عاتيةٍ لتبلغَ وجهتَها؟ وهل سيتّفق قُوَّادُها على وجهتِها أصلًا؟ بالطبع لا. هذا حالُ بلديةِ صيدا اليوم، سفينةٌ برؤوسٍ ورياسةٍ متعدّدة، وكلٌّ يدَّعي المصلحةَ وفقًا لرؤيته وهواه، وحُكمًا حساباته الخاصّة المادّية. أمّا في المحصّلة فصيدا وأهلُها هم الخاسرُ الأكبر، والمدينة وناسُها من يدفعُ الثمنَ على حساب أمورٍ تمسُّ جوهرَ تفاصيل حياتهم اليومية. منذ أن أفضت نتيجةُ انتخابات المجلس البلدي في مدينة صيدا إلى ما آلت إليه اليوم، لم يعُد السؤالُ: “لماذا؟”، بل بات: “متى؟” متى سيقعُ الانفجارُ الذي سيُطيحُ بالمجلس والبلدية بسبب عدمِ تجانس أعضائه من لوائح متنافسة في الشكل والجوهر والمقاربات والحلول وطرق العمل؟ بلديةُ صيدا اليوم – كما يقول معظمُ أهل المدينة – بلديةٌ بأربعةِ رؤوسٍ أو خمسةٍ أو حتى ستة. والاجتماعاتُ العقيمةُ العاصفةُ التي يشهدُها المجلسُ البلدي، والتي صار يصلُ فيها النقاشُ حدَّ تعيير رئيس البلدية من قِبَلِ أعضاءٍ بقولهم: “نحن من أجلسناك على كرسيك هذا، وأتيتَنا قبل الانتخابات تطلب الدعم والتأييد”، مجلسٌ وصل فيه التنازعُ حدَّ التراشق بقوارير المياه بين أعضائه، وبلغ فيه النفاقُ السياسي والشخصيّ محاباةً رخيصة، هو مجلسٌ غيرُ قابلٍ للحياة أو الاستمرار. صارت البلديةُ كرسيًّا كلٌّ يتجاذبُه لصوبِه؛ فيها من يُقرِّر منفردًا أن يُزفّت طريقًا أو جورةً آملًا أن “تُعبِّد” طريقَه إلى كرسي الرئاسة في الدورة المقبلة، أو حتى النيابة نفسها – كما قالها “باعتبارها الأقرب” – لأنّه لم يعُد قادرًا على الانتظار بعدما أعجبتْه العراضاتُ واستهوته الصورُ المرفوعةُ ويافطاتُ المديح. رئيسٌ يبتغي مرضاةَ الجميع لتحقيق المصالح التي تعودُ بالمنفعة عليه. وآخرُ تنتهي تنظيراتُه وشعاراتُه الرنّانة عند زاويةٍ عقاريةٍ مصلحيةٍ صغيرة. ومتحمّسٌ موهومٌ بالأرقام يرى في مُلخَّص Power Point على الشاشة مشاريعَ قادرةً على أن ترفعَ المدينةَ من حضيضها إلى مصافّ العالمية، دون الحدّ الأدنى من الدراية بمتطلّبات العمل بالشأن العام والسياسة والمجتمع. سيسجّلُ التاريخُ لهذا المجلس البلدي أنّه قضى على آمالٍ كثيرة عقدها الصيداويّون على إيصال جيلٍ شابٍّ جديد مفعم بالحداثة والحيوية والطاقة للعمل والإنتاجية إلى مركز القرار، ليترحّموا على “ديناصوراتٍ” مضت، أقَلَّه كان للمجلس بعضٌ من هيبةٍ أضاعتها “وَلدنات” الطارئين على غفلة. لكنْ: “كما تكونون يُولّى عليكم…” رأفة بالناس بعد تجربة مئةِ يومٍ من العمل، لو كان هذا المجلس يهتمُّ بالمدينة وأهلها، فحريٌّ به الاستقالةُ رأفةً بالناس، والدعوةُ إلى انتخاباتٍ جديدة بعدما عرف الجميعُ ما كانوا يجهلون. فالاستمرارُ على هذه الشاكلة انتحارٌ بحقّ صيدا، لا تستحقُّه.
يبدو أنّ بناءَ دولةٍ لجميعِ مواطنيها هدفٌ بعيدُ المنال، بسبب تناسُلِ سلطاتٍ تتجاهل، عن وعيٍ أو عدمِ معرفة، عناصرَ المواطنةِ الأساسية. وهذا ما دفع بمدينةِ صيدا أن تعيشَ سنواتٍ عجافٍ ما زالت مستمرةً باستمرار إشاعةِ الفوضى والمحسوبيات وتغطيةِ نهبِ المالِ العام. الشفافية والمساءلة من العناصرِ الأساسية للمواطنة، حسبَ أصحابِ النوايا الحسنة، المشاركةُ من خلالِ الشفافيةِ والمراقبةِ والمساءلة. وهذا ما تجاهلتْهُ المجالسُ البلديةُ المتعاقبةُ في مدينةِ صيدا. وإذا كانت المنظماتُ الدولية تشترطُ أحياناً مشاركةَ المجتمعِ المحلي، فإنّ المجالسَ المتعاقبة كانت تستحضرُ مَن يرفعُ يدَه موافقاً على كلِّ ما يُطرَح. ولكن بعد ما حصل مع برنامجِ الأمم المتحدة الإنمائي عام ٢٠٢١، في مشروعِ تأهيلِ سوقِ السمك، دُفِعَ به عام ٢٠٢٣ لاشتراط وضعِ آليةِ عملٍ تشاركية بين المجلسِ البلدي وممثّلي المجتمعِ المحلي. تواصلتِ الاجتماعاتُ وتوصّل الحاضرون إلى تحديدِ احتياجاتِ المدينةِ في مختلفِ الميادين، وهي مشاريعُ وُضِعت في أدراجِ البلدية ولا تُطرَح إلّا عند الحديثِ عن العملِ التشاركيِّ النظري. وخلال عامين لم يُمارسْ مَن بقي من المجلسِ البلدي أيَّ عملٍ تشاركيٍّ فعلي، وبقيتْ أسئلةُ ممثّلي المجتمعِ المحلي من دون إجابةٍ واضحةٍ حول قضايا المدينة والمشاريعِ التي تُنفَّذ، ولا توجد أيةُ مستنداتٍ موثَّقةٍ لها في البلدية. وهناك أمثلةٌ كثيرة لا مجالَ لذكرها كي لا نُوصَفَ بأصحابِ النوايا السيئة. مسرحيةُ العملِ التشاركي وقد جرى خلال فترةِ مسرحيةِ العملِ التشاركي تشكيلُ لجنةٍ من البلديةِ والمجتمعِ المحلي للإشراف على ما أُطلِق عليه “المرصد الحضري” في المدينة، والذي لا أحدَ من المجتمع المحلي يعرف بالتحديد قيمةَ التمويلِ الذي طال هذا المشروعَ ومشروعَ إنارةِ السوقِ التجاري والملعبِ البلدي. اليوم نشرتْ بلديةُ صيدا إعلاناً، بالتعاون مع برنامجِ الأمم المتحدة الإنمائي، بفتح بابِ التقدّم أمامَ المنظماتِ غير الحكوميةِ المحلية للمشاركة في دعوةِ تقديمِ مقترحاتٍ لتشغيل وحدةِ المرصد الحضري في مدينة صيدا، وأنّ الموعدَ النهائيَّ للتقديم ظهرَ الخميس ١٨ أيلول ٢٠٢٥. وأُرفِقَ البيانُ بالشروطِ المطلوب توفّرُها بأيِّ جمعيةٍ غير حكوميةٍ للتقدّم بالمقترحات للتشغيل. تجاهل المجتمع المحلي ما يلفتُ النظرَ، تجاهلُ البلدية للجنةِ المُشكَّلة منها ومن ممثّلي المجتمع المحلي للإشراف على المرصد كما كان الاتفاق، والاكتفاءُ بأنّها هي الجهةُ الوحيدةُ المعنيةُ بذلك. وهذا إعلانٌ صريحٌ عن انتهاء مسرحيةِ التشاركية التي أنتجها برنامجُ الأمم المتحدة الإنمائي وبلديةُ صيدا؛ قد انتهت وأُسدِلَ الستارُ عليها. كما أنّ إعطاءَ مهلةِ أربعةِ أيامٍ للجمعياتِ كي تتقدّم بطلباتها والالتزامِ بالشروط يبدو وكأنّه إعلانٌ مُعلَّب ستأتي الأيامُ لتوضيحِه، وخصوصاً أنّ غيابَ أيّ جهةٍ استشارية، كانت البلديةُ والبرنامجُ الإنمائي، تروِّجُ له، لم يحصلْ لأسبابٍ مالية كما قال رئيسُ البلدية، وهو ما وُعِدْنا به سابقاً.فترةُ مسرحيةِ التشاركية كانت كافيةً لإقناعِ أصحابِ النوايا الحسنة أنّ السلطاتِ المحلية وعلى رأسها البلدية ليست بوارد الالتزام بمشاركةٍ جدّية، وبالتالي فالحديثُ عن المواطنة مجردُ حديثِ صالونات. حقُّ البلدية من جهةٍ أخرى يجب تسليطُ الضوء على أنّ من حقِّ البلدية ومجلسِها البلدي تجاهلَ موضوعِ المشاركةِ الجدية، وأنها صاحبةُ السلطةِ لوحدها، وبالتالي تكتفي المنظماتُ الدولية بتنظيم المسرحياتِ حول التشاركيةِ والمواطنة، كما نشهدُ مسرحياتِها حول حقوقِ الإنسان في فلسطين وجنوبِ لبنان. ومع هذا الحقِّ الحصري للبلدية لا بدّ من الإشارة إلى بعض الخطواتِ القانونية الواجب أن تلتزم بها بلديةُ صيدا، إذ استناداً إلى قانونِ البلديات (المرسوم الاشتراعي 118/1977 وتعديلاته)، يتضح أنّ:كلَّ عملٍ أو مشروعٍ له طابعٌ أو منفعةٌ عامةٌ ضمن النطاق البلدي هو من اختصاصِ المجلسِ البلدي. يشمل ذلك إسعافَ الجمعياتِ ومساعدتَها والنشاطاتِ الصحية والاجتماعية والثقافية والرياضية. وبالتالي، قبولُ أو رفضُ الهبات، المساعدات، أو التعاون مع المنظماتِ غير الحكومية لا يتم إلّا بقرارٍ من المجلس البلدي، لأنه يدخل في صُلبِ صلاحياتِه. فهل يمكن للبلدية أن تنشر قراراتِ المجلس بهذا الخصوص إذا وُجِدت؟وهذا يعني أنّه لا يمكن البدءُ باستقبال طلباتِ الجمعيات أو الإعلانُ عن فتح بابِ التقديم لتشغيل المرصد الحضري باسمِ البلدية من دون قرارٍ وموافقةِ المجلسِ البلدي.وأنّ أيَّ إعلانٍ يتم قبل انعقادِ المجلس البلدي وإصدارِ قرارٍ رسمي يُعتبر غيرَ مستندٍ إلى الأصول القانونية. فهل تلتزم بلديةُ صيدا القانونَ بهذا الخصوص، أم تجد استشارةً قانونيةً حول الموضوع شبيهةً باستشاراتها حول معملِ معالجةِ النفايات بلا معالجة؟
لا يوجد إحصاءٌ شاملٌ ودقيق لأصحابِ المولِّدات الكهربائية وقدراتها التشغيلية في منطقةِ صَيدا. آخرُ تقريرٍ رسمي أعدَّته بلديةُ صَيدا يعودُ إلى عام 2021، أشار إلى وجود 269 مولِّداً بقوةٍ إجمالية تبلغ 108,942 كيلوفولت أمبير (KVA)، يملكها 87 شخصاً، بعضُهم يملك مولِّداً واحداً، بينما تصلُ ملكيةُ آخرين إلى 12 مولِّداً. في إحصاءٍ آخرَ أجراه تجمّع “علِّ صوتك” في أيلول/سبتمبر 2023، تبيَّن أن عددَ المولِّدات قد انخفض إلى 249 مولِّداً بقوة 102,867 كيلوفولت أمبير، يملكها 81 شخصاً.