فَجأةً، وبِلا سابِقِ إنذارٍ، ورغم أنَّني حاولتُ ألّا أَنتقِدَ البلديّةَ التي دعَمت سَبعةَ أعضاءٍ ليكونوا ضِمنَ هيكلِها البلديّ، علَّهم يُغيِّرون، ليكونَ صوتُ صيدا مَسموعًا — لكن بَعضَ مَن فيها يُجبِرك أن “تكسِرَ الجرّةَ” وتتكَلَّم!أيُّ بلديّةٍ أنتُم؟ وعلى ماذا ارتكَزتُم؟ ولأنَّني أُريد أن أكونَ ناقدًا بصِدق، فاسمَحوا لي أن أَسأل:هل يمكنُكم أن تُوضِّحوا للنّاس، للصيداويّين، وللمجتمعِ اللبنانيّ كُلِّه، ما هي العناصِرُ التي اعتَمدتُم عليها في قرارِكم رفضَ مشروعِ “حِمى الزّيرة” الذي قدَّمه الاتِّحادُ الأُوروبّي؟ما هي السَّلبيّاتُ؟ وما الإيجابيّات؟ ومَن المُخوَّل أصلًا أن يُصدِرَ قرارًا وبيانًا بهذه الطَّريقةِ الفيسبوكيّةِ التي يُمرَّرُ فيها هروبٌ من الاتِّحادِ الأُوروبّي؟هل لي أن أعرِفَ إلى متى هذا الاستِهتارُ بعقولِ الصَّيداويّين خاصّةً، واللبنانيّين عامّةً؟ عقم مميت تقولون: “ارتأتِ البلديّةُ أنَّ الحفاظَ على الجزيرةِ بوضعِها الحاليِّ هو الخيارُ الأنسب.”ارتأت؟! كيفَ ارتأت؟ ومَن الذي ارتأى أصلًا؟ ما هذا الأسلوبُ المُستفِزّ؟ بلديّةٌ عقيمة، محاوَلاتٌ فرديّةٌ هنا وهناك، وبعضُ رجالِ الأعمال — نُحترِمُهم “بتحفُّظ” — وبعضُ النّاشطينَ يُزفِّتون طريقًا من هنا، أو يُنظِّمون نشاطًا رياضيًّا من هناك، أو يَجمعون كلابًا شاردة! أن ترفُضوا مشروعًا من الاتِّحادِ الأُوروبّي دونَ أن يَعرِفَ النّاسُ ما هو؟ لا دراسات، لا نقاشَ عامّ، لا عَرضَ على المجتمعِ المَدنيّ أو الفضاءِ العامّ، لا شيء كنّا نَنتظرُ مشاريعَ حقيقيّةً: إعادةَ مَعملِ تدويرِ النّفاياتِ إلى سُلطةِ البلديّة، مُراقبةَ مَعملِ تَكريرِ مياهِ المَجاري، فَرضَ رِقابةٍ على مَعملِ تَكريرِ النّفاياتِ الطّبيّة، مشروعَ فُندقٍ على شاطئِ صيدا، أو حتّى حُلمًا بجِسرٍ بسيطٍ يُوصِلُنا إلى الزّيرةِ التي ارتأيتُم أن تترُكوها “كما هي”! أيُّ وضعٍ حاليٍّ هذا؟ جزيرةٌ تُستَخدَمُ شَهرَينِ في السَّنةِ، وباقي السَّنةِ لِبَعضِ الصَّيّادين وأصحابِ المَراكب؟ تقولون “الحفاظُ على إرثٍ طبيعيٍّ وتاريخيٍّ وإنسانيٍّ”؟أن ترفُضوا مشروعًا من الاتِّحادِ الأُوروبّي دونَ أن يَعرِفَ النّاسُ ما هو المشروع؟ لا دراسات، لا نقاشَ عامّ، لا عَرضَ على المجتمعِ المَدنيّ أو الفضاءِ العامّ، لا شيء! أين الناس؟ أقلَّه اطرَحوا الفِكرةَ على النّاس، على الإعلام، على النُّشطاءِ البيئيّين، لنعرفَ على ماذا “ارتأيتُم”!ضَعوا الشّروطَ، ناقِشوا البُنودَ، لا بأس. لكن أن ترفُضوا لأنَّ “الوضعَ الحاليَّ أنسب”؟فهذا كلامٌ مُستفِزٌّ وساخِرٌ من عقولِ النّاس. ثم لِنكُن صادقين: الزّيرةُ اليومَ هي جزيرةٌ “تنفيعيّة” للبعضِ المحسوبينَ على أطرافِكم، لِمَن يَقدِر أن يُرجِّحَ كفّةً انتخابيّةً ساعةَ الصّندوقِ حين يُفتَحُ وتُطلَى الأصابعُ باللّونِ النّيليّ، و”الانتخاباتُ قَرُبت”.والكُلُّ في صيدا يَعلمُ تمامًا كم يُباعُ فيها الرُّبعُ ونِصفُ الرُّبعِ والسّيجارةُ “المَلغومة”.فلا “تَستَهبِلوا” أهلَ صيدا، ولا تُحاوِلوا تَمريرَ هذا الكلامِ على أنَّه “حِفاظٌ بيئيّ”! ظنَّ النّاسُ أنَّ البلديّةَ الجديدةَ ستكونُ مُختلِفة، بلديّةً شبابيّةً شفّافة، فإذا بنا نرى أنَّ النّزولَ إلى القاعِ صار أسرعَ من أيِّ وقتٍ مضى. ثم تتحدَّثون عن رَمزيّةٍ بيئيّةٍ وسياحيّةٍ وثقافيّة؟هل أنهَيتُم ترميمَ القلعةِ البحريّةِ التي نصَحَ أكثرُ من مُهندسٍ صيداويٍّ بعدمِ اللَّعبِ بحِجارتِها وشكلِها العُمرانيّ، وعدمِ استخدامِ الحديدِ الذي سيَصدأ؟هل رمَّمتُم القلعةَ البرّيّة؟هل أصلحتُم بلاطَ الجور في شوارعِ السّوق؟ كُلُّ هذا مُؤجَّل، لكن “الزّيرةَ بوضعِها الحاليّ” هي الأولويّة! الزّيرةُ ليست أرضًا لتُجّارِ الانتخابات، ولا حكايةً للتّصريحاتِ الفيسبوكيّة.الزّيرةُ هي “مالديف صيدا” الحقيقيّة — هكذا يُسمّيها الصَّيّادنةُ — الزّيرةُ الجميلةُ التي تَستحقُّ أن تُوضَعَ على الخريطةِ السّياحيّةِ بمشروعٍ جادٍّ يَحميها من الفوضى ويَصونَ هويّتَها، رغم أنَّها شَهِدَت شيئًا من الإصلاح، ولا نُنكرُ فضلَ جمعيّةِ حمايةِ الزّيرة. ساعِدوا الصَّيداويّين أن يتنفَّسوا حقًّا، لا بياناتٍ تَمريريّة. أن يعيشوا جزيرتَهم وبحرَهم وبرَّهُم، لا "ما ارتأيتُم".
عَلِمَتْ “البوست” من مصادرَ محليّةٍ مُتابِعةٍ أنّ أحدَ أعضاءِ المجلسِ البلديِّ الحاليِّ في المدينةِ يستمزجُ آراءً قانونيّةً وقضائيّةً على أعلى المستويات، من عدّةِ مَصادِرَ ضليعةٍ بهذا الشأن، لكونِه بصددِ رفعِ دعوى قضائيّةٍ بحقِّ معملِ معالجةِ النفاياتِ في صيدا، والادّعاءِ على كلِّ المتورّطين في مخالفاتِه الكثيرةِ منذ سنين. اللافتُ في الموضوع، أنّ العضوَ المحسوبَ على إحدى القوى السياسيّةِ الأساسيّةِ في المدينةِ، لا يمكنُ أن يُقدِمَ على هكذا خطوةٍ ــ بحسبِ متابعين ــ من دونِ موافقةٍ وتنسيقٍ تامَّيْن من قِبَلِ تلك القوّةِ السياسيّة. ما يُؤشِّرُ، في تداعياتِه، إلى أنّ المعركةَ فُتِحَت بوجهِ قوىً كثيرةٍ متورِّطةٍ في فسادِ المعملِ على مستوى المدينةِ، وعلى أكثرَ من صعيد. فالتوقيتُ، كما يرى مراقبون، يُؤشِّرُ إلى بدايةِ المعركةِ الانتخابيّةِ الفعليّةِ وخارطة التحالفات المفترضة بين المرشحين على صعيدِ صيدا. ويبقى السؤال المهم. هل يمثل هذا الشخص مرجعيته السياسية أم يمثل بلدية صيدا أم نفسه؟
لا تتوقّف إبداعاتُ المجلسِ البلديِّ العتيدِ في صيدا عن إتحافِك بجديدٍ كلَّ يوم… كي لا تَمَلّ. آخرُ فصولِ “الكوميديا السوداء” في المدينة، استخدامُ أحدِ أعضاءِ المجلسِ زوجتَهُ لقمعِ المخالفاتِ “الفالتة” في شوارعِها. تتوقّفُ سيّارةٌ عاديّةٌ في أحدِ شوارعِ صيدا. تترجّلُ منها سيّدةٌ بعدما ركنَتْها في أحدِ الأماكنِ المخصّصةِ لـ”فاليه باركينغ”.يسارعُ العاملُ لتحصيلِ أجرةِ الوقوفِ من السيّدة، فتسألُه عن قيمةِ التذكرةِ التي قطعَها لها، فيُخبرُها بالسِّعر، فتُبادِرُه بالقول: “هذا مخالفٌ للقانون!”، وتبدأ بطرحِ الأسئلةِ والاستفساراتِ عن مشغّليه وأذوناتِ العمل… وحين يسألُها الشابُّ عن هويّتِها، تُجيبُ بكلّ ثقةٍ: “أنا مدام عضو البلدية فلان… وجئتُ في مهمّةٍ من قِبَله لأستوضحَ عن المخالفاتِ التي تقومونَ بها هنا.” تتركُ سيّارتَها مركونةً مجّانًا، أمامَ ذهولِ العامل، وتمضي إلى أحدِ المقاهي لتحتسيَ قهوتَها مع “غروب” رفيقاتِها اللواتي ينتظرنَها على الطاولة… المفارقة الساخرة أنّ هذا كلّه لم يكن مشهدًا من مسرحية، بل واقعةً حقيقيّةً تُضاف إلى سجلّ مدينةٍ تُحارِبُ المخالفات بـ”زوجات الأعضاء”. هكذا ببساطة، تحوّلَت البلديّةُ إلى ورشةٍ منزليّةٍ تُدار بالنيّة الحسنة والعلاقات الزوجيّة، فيما المدينة تزدادُ فوضى… لكن على الأقل، بابتسامةٍ أنيقةٍ و”مهمّةٍ رسميّة”!