من المرتقَبِ أن يسمعَ الصيداويّون في الأيامِ المقبلة عن لقاءٍ سيجمعُ بين قطبينِ سياسيَّينِ أساسيَّين في المدينة، بعد فترةٍ من الجفاء غيرِ المُعلَن بينهما، دون أسبابٍ معروفة. الزيارةُ التي ستندرجُ ـــ بحسب العاملين عليها ـــ ضمن إطارِ ردّ الزيارةِ والمجامَلاتِ الاجتماعيّة في صيدا، إلّا إنّه لا يمكنُ فصلُها عن سياقِ الاستحقاقِ الانتخابيّ النيابيّ المُقبل على المدينة، وخريطةِ التحالفات التي تعملُ القوى السياسية على تركيبِها بانتظارِ التأكّدِ من الانطِلاقِ الفعليّ لهذا الأمر، في ظلّ ترقّباتٍ مفتوحةٍ على كلِّ الاحتمالات.
حالُ الانتخاباتِ النيابيةِ المرتقبةِ في لبنان بات يُشبِهُ حالَ “الحملِ السِّريّ”. لا أحدَ يعلمُ إنْ كان حاصلًا أم لا، على الرغمِ من شعورِ الجميعِ به. يبتسمُ مصدرٌ دبلوماسيٌّ رفيعٌ في حديثِه لصحيفةِ “البوست” عند سؤالِه عن الانتخاباتِ النيابيةِ المقبلة، ويقول “هل أنتَ فعلًا مُقتنعٌ أنَّ الانتخاباتِ ستُجرى في موعدِها؟ لقد طارتِ الانتخابات. الحدثُ الإقليميُّ متقدّمٌ اليوم على أيّ حدثٍ محلّي لبناني. الأمورُ صعبةٌ ومعقّدةٌ مع الجانبِ الإسرائيليِّ، وحتّى الأميركيِّ، حيالَ لبنانَ وإيرانَ على حدٍّ سواء”، ويتابع “لا تُغفِلْ ما يجري في اليمن أبدًا”. وبحسبِ المصدرِ المُطَّلع، فإنّه لا يُسجَّل “أيُّ نشاطٍ سعوديٍّ أساسيٍّ لافتٍ حيالَ الحدث الانتخابيِّ اللبنانيِّ المُفترض”، وأنّه “حتّى القوى السياسية اللبنانية بأغلبيّتِها باتت شبهَ مُقتنِعةٍ بأنّه لا انتخاباتٍ نيابيةً في المدى المنظور. وعلى الرغم من تأكيدِ بعضِ هذه القوى والشخصياتِ في كل مناسبةٍ تتاح لهم على أنَّ الانتخاباتِ ستُجرى في موعدِها، إلّا أنّ ذلك ما هو إلّا دليلٌ إضافيٌّ على أنَّ الانتخاباتِ لن تُجرى، أقَلَّه في موعدِها”. وهكذا، تبدو الانتخاباتُ في لبنان أشبهَ بموعدٍ يُحدَّد على الورق ويُلغى في الواقع. كلُّ المؤشّرات تُشير إلى أنَّ القرارَ لم يعُد في بيروت، ولا في أحزابها، ولا في بياناتها اليومية، بل في مكانٍ آخر تمامًا؛ في غرفٍ إقليميةٍ مغلقة، تتقاطع فيها حساباتُ الحرب والسلم، وتُرسم فيها خرائطُ النفوذ قبل خرائطِ الدوائر الانتخابية.وإلى أن يرسو ميزانُ القوى الخارجيّة على اتّجاهٍ واضح، ستبقى البلادُ معلّقةً على حبلٍ رفيع، تُراقب استحقاقًا انتخابيًّا تلاشى قبل أن يولد… واستحقاقًا وطنيًّا أكبر يترنّح معها.
في انتظارِ العودةِ “الميمونة” لرئيسِ بلديّةِ صيدا من سفرِ الأُنسِ والفرفشةِ في برشلونة، وبانتظارِ رجوعِ “رئيسِ الظلّ” من رحلةٍ تسَيِّرُ أعمالَه واستثماراته الخارجيّة، من المُرتقَبِ أن تكونَ الجلسةُ المقبلةُ للمجلسِ البلديّ جلسةً مصيريّةً متفجِّرةً، وإنْ حاول بعضُ الأطرافِ سحبَ فتيلِها بمسكّناتٍ تدريجيّة. أمّا الموضوعُ “التهريبة”، فهو طلبُ إدارةِ معملِ النفاياتِ في صيدا الاستحواذَ على قطعةِ أرضٍ تابعةٍ للبلديّة، تبلغُ مساحتُها نحو 20 ألف مترٍ مربّع، تحتَ ذريعةِ استقدامِ آلاتٍ جديدةٍ ضخمة، والمباشرةِ—كما يدّعي القائمون على معملِ “علي بابا”—بعمليّاتِ الفرزِ وإعادةِ التدوير، وصولًا إلى الوعدِ “الموهوم” بتخليصِ المدينةِ من جبلِ الزبالةِ في فترةٍ لا تتعدّى السنةَ والنصف إذا تمّ لهم ذلك. المدينةُ سمعت قبل أيّام عرضًا ضبابيًا قدّمه مديرُ المعملِ وفريقُه، عرضٌ يمكنُ اختصارُه بعبارة: «نريدُ الأرض… والباقي لاحقًا». لكنّ المفارقةَ الصادمة، كما تنقلُ مصادرُ مطّلعة، أنَّ اللجنةَ البلديّةَ المكلّفةَ بملفّ النفايات، وتحديدًا رئيسَها، إضافةً إلى بعضِ نشطاءِ المجتمعِ المدنيّ الذين ملأوا الدنيا شعاراتٍ عن البيئةِ والصحّةِ والشفافيّة، وخاضوا غمارَ السياسةِ تحت هذه العناوين، تحوّلوا فجأةً إلى درعٍ بشريٍّ يدافعُ عن المعملِ أكثر ممّا يدافعُ أركانُه عن أنفسِهم. دفاعٌ يطرحُ أسئلةً أكبر من كلّ الجبالِ المتعفّنةِ المحيطةِ بتلك المنشأةِ المريبةِ جنوبيَّ المدينة. وفيما ينتظرُ الصيداويّون «دراسةَ العُمر» عن كيفيّةِ إزالةِ الجبلِ الذي يخنقُ المدينة، تتكشّفُ الحقيقةُ المرّة: تواطؤٌ ناعمٌ وخبيثٌ عن جهلٍ أو عن سبقِ إصرارٍ، يسهّلُ لمعملِ الموتِ الاستيلاءَ على أملاكٍ عامّةٍ كان يُفترضُ أن تكونَ واجهةً سياحيّةً تُشرّفُ مدينةً ساحليّة. لكن، بدل البحرِ والهواءِ والضوء، يحصلُ الناسُ على رائحةِ فسادٍ تُشبهُ ما ينبعثُ من مغارةِ علي بابا حين تُفتحُ أبوابُها. الضحايا؟ أهلُ صيدا، الذين يُدفَعون اليوم ثمنَ رعونةٍ رسميّةٍ قاتلة، ودهاءٍ مُعتِمٍ ينسابُ بين ممرّاتِ المعملِ ولِجانه. مصادرُ مطّلعةٌ تؤكّدُ لصحيفة ـ«البوست» أنَّ الاستيلاءَ تحت عنوانِ الإيجارِ ليس سوى تمهيدٍ لجلبِ ماكيناتٍ جديدةٍ لتحويلِ النفاياتِ إلى وقودٍ يُرسَلُ لصالحِ معملِ سبلين للترابة. اتفاقيّةٌ «بروائحَ نفّاذة» وُقّعت بين الطرفين، على حسابِ صحّةِ الناسِ وبيئةِ المدينة…