أغمض عينيك… وتخَيَّل معي هذا المشهد الساحر. تقف على ضفاف النيل في القاهرة، والشمس تشرق على مآذن الأزهر. تحمل عصاك وزادك، وتنطلق في رحلة لن تحتاج فيها إلى جواز سفر، أو تأشيرة دخول، أو حتى تصريح مرور. إنها رحلة عبر إمبراطورية واحدة تمتد من المحيط الأطلسي إلى أسوار الصين، ومن سهول آسيا الوسطى إلى صحاري أفريقيا. من أرض الكنانة إلى الأرض المقدسةتعبر سيناء بخطوات واثقة، لا يوقفك حارس حدود، ولا يطالبك أحد بهوية. تصل إلى فلسطين المباركة، حيث تصلي في المسجد الأقصى، ثم تواصل رحلتك شمالاً عبر بلاد الشام الخضراء. في دمشق، تستريح في ظلال الجامع الأموي، وتستمع إلى قصص الفتوحات من شيوخ المدينة. من هناك، تتجه شمالاً نحو إسطنبول العظيمة، عاصمة الخلافة العثمانية، حيث تقف مبهوراً أمام آيا صوفيا والجامع الأزرق، وأنت تدرك أنك في قلب إمبراطورية تحكم ثلث العالم المعروف آنذاك. إلى مهد الحضارة في بلاد الرافدينتنحدر جنوباً عبر الأناضول، وتعبر نهري دجلة والفرات لتصل إلى الموصل الحدباء، ثم إلى بغداد دار السلام، عاصمة الخلافة العباسية التي كانت يوماً منارة العلم والحضارة في العالم. تتجول في أسواقها، وتزور بيت الحكمة حيث تُرجمت علوم الأولين، وتستمع إلى حكايات هارون الرشيد والمأمون. رحلة الروح إلى بيت الله الحراممن بغداد، تنضم إلى قافلة الحج المتجهة إلى مكة المكرمة. تسير عبر الصحراء العربية، محمياً بأمان الخلافة، حتى تصل إلى البيت الحرام. تؤدي مناسك الحج، ثم تزور المدينة المنورة، حيث تقف أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلبك يفيض بالإيمان والخشوع. عندما كان المسلم في الأندلس يشعر بالانتماء لنفس الوطن الذي ينتمي إليه المسلم في سمرقند. عندما كان العالم الإسلامي أمة واحدة تحت راية واحدة، بقيادة واحدة من اليمن السعيد إلى القرن الإفريقيرحلتك لم تنته بعد. تتجه جنوباً إلى صنعاء العريقة، عاصمة اليمن السعيد، حيث تتأمل عمارتها الفريدة وحدائقها المعلقة. من هناك، تعبر مضيق باب المندب إلى جيبوتي، ثم تواصل رحلتك إلى الصومال الحبيب، حيث تكتشف مدناً إسلامية عريقة على ساحل المحيط الهندي. تركب سفينة تجارية إسلامية، وتعبر المحيط الهندي إلى جزر القمر، ثم إلى ماليزيا وإندونيسيا والفلبين، حيث تشهد كيف وصل الإسلام إلى هذه الجزر النائية عبر التجار والدعاة، وليس بحد السيف كما يدعي المغرضون. جوهرة التاجتصل إلى الهند الإسلامية، حيث تزور دلهي وأغرا وحيدر آباد، وتقف مذهولاً أمام تاج محل، تحفة العمارة الإسلامية الخالدة. تتجول في أسواق التوابل والحرير، وتستمع إلى الموسيقى الصوفية في المساجد والخانقاهات. من الهند، تتجه شمالاً إلى أفغانستان، أرض الجبال الشامخة والمجاهدين الأبطال، ثم إلى أوزبكستان، حيث تقف مبهوراً أمام عظمة بخارى وسمرقند وطشقند وخوارزم. هنا، تترحم على الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي فتح هذه البلاد ونشر فيها نور الإسلام. تواصل رحلتك عبر تركمانستان وقيرغيزيا وطاجكستان، حيث ترى كيف امتدت حضارة الإسلام إلى أقاصي آسيا، وكيف ازدهرت العلوم والفنون في هذه البقاع النائية. تعود أدراجك غرباً، عبر البلقان المسلم، حيث تزور سراييفو وبريشتينا وتيرانا، وتشهد كيف وصل الإسلام إلى قلب أوروبا. تصل إلى الأناضول مرة أخرى، وتركب سفينة عبر البحر المتوسط إلى كريت ومالطا وقبرص. المغرب الأقصىتصل إلى المغرب الأقصى، حيث تتجول في أزقة مراكش الضيقة، وتزور الرباط العاصمة. من هناك، تتجه شرقاً إلى الجزائر، حيث تزور العاصمة البيضاء وتلمسان الأندلسية ووهران الساحلية وقسنطينة المعلقة. رحلتك تقودك إلى تونس الخضراء، حيث تزور القيروان، أول عاصمة إسلامية في المغرب، وتترحم على مؤسسها القائد المجاهد عقبة بن نافع. تجلس في جامع الزيتونة العريق، وتستمع إلى دروس العلماء. من تونس، تتجه إلى ليبيا، أرض عمر المختار البطل، ثم تعود إلى القاهرة، حيث بدأت رحلتك. تصلي في الأزهر الشريف، وأنت تحمل في قلبك ذكريات رحلة عبر إمبراطورية عظيمة. هذه ليست مجرد رحلة خيالية بل حقيقة تاريخية عاشها المسلمون لأكثر من 1250 عاماً في ظل الخلافة الإسلامية. تخَيَّل أنك تقطع كل هذه المسافات الشاسعة دون: جواز سفر أو هوية شخصية تأشيرة دخول أو تصريح مرور حراس حدود يوقفونك أو يفتشونك أسلاك شائكة تقطع طريقك رسوم جمركية أو ضرائب حدودية كل ذلك وأنت تحت حماية خلافتك الإسلامية، تأكل وتنام في الخانات الإسلامية على حساب بيت مال المسلمين، وتتنقل بأمان تام عبر قارات ثلاث أيُّ عزٍّ كنا فيه؟ هذا هو العز الذي فقدناه عندما سقطت الخلافة الإسلامية. عندما كان المسلم في الأندلس يشعر بالانتماء لنفس الوطن الذي ينتمي إليه المسلم في سمرقند. عندما كان العالم الإسلامي أمة واحدة تحت راية واحدة، بقيادة واحدة، وبعملة واحدة أحياناً. اليوم، نحتاج إلى عشرات التأشيرات لنزور بلداناً إسلامية، ونقف في طوابير مذلة أمام سفارات دول كانت يوماً جزءاً من إمبراطوريتنا الواحدة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتذكرها، والحلم الذي يجب أن نسعى لاستعادته، والاضافة عليه…
لا يمكن لأيّ مُراقبٍ مُنصِفٍ أن يتجاهل الحضورَ الدينيَّ النابضَ في قلب مدينة صيدا. فالشواهدُ تتجلّى في كلِّ زاويةٍ، من حلقاتِ الذِّكر التي تَعمُرُ بها المساجدُ، إلى المهرجاناتِ القرآنيّة وتخريجِ أفواجِ حَفَظةِ كتابِ الله، وصولاً إلى مشهدِ صلاةِ الفجرِ التي تَكتظُّ بها بعضُ مساجدِ المدينةِ حتى أصبحتْ علامةً فارقةً لها. ولا يَغيبُ عن الذاكرةِ وهجُ “الحركةِ الأسيريّة” التي حوّلتْ منطقةَ “عبرا” إلى منارةٍ دعويّةٍ نشطة، قبل أن تنطفئ في أتونِ صراعٍ مأساويٍّ دفع ثمنَه شبابُ أهلِ السُّنّة، بعد اصطدامها بقوى من داخلِ البيتِ السُّنّي وخارجه، أبرزُها حزبُ الله وحركةُ أمل. سؤال الهُويّة الأكبر رغم كلِّ هذه المظاهر، يظلُّ السؤالُ الجوهريُّ قائمًا: هل صيدا مدينةٌ “إسلاميّة” بالمعنى الهُويّاتيّ الشامل؟ وهل نجح الإسلاميون في صبغِها بهذه الصبغة؟الجوابُ، بكلِّ وضوحٍ، هو: لا. صيدا ليست مدينةً إسلاميّة بالتعريفِ الصِّرف للهُويّة. هي مدينةٌ محافظةٌ يَغلُب عليها الطابعُ الدينيُّ السُّنّي، وهو ما يظهرُ جليًّا في الاحتفالاتِ وزينةِ الشوارع، التي لا يَكسِرُها إلا مناسباتٌ استثنائيّة كرأسِ السنة. لكنّ هذا الطابعَ المحافظ لم يُترجَم إلى هُويّةٍ إسلاميّةٍ راسخة. فلماذا هذا الإخفاق؟ يمكنُ إيجازُ الأسبابِ في ثلاثةِ محاورَ رئيسيّة: ضعفُ وغيابُ للرؤية يكمنُ الضعفُ الأبرزُ في غيابِ رؤيةٍ استراتيجيّةٍ موحّدة. فالتحرّكاتُ غالبًا ما تكونُ ردودَ فعلٍ متناثرةً تفتقرُ إلى الحكمةِ والجاذبيّة؛ فهُنا تُغلَقُ شوارعُ اعتراضًا على حفلٍ تحت شعار “صيدا لن ترقص”، وهناك تُستخدَمُ قضايا كبرى مثل غزّة كمتراسٍ دفاعيٍّ بدلًا من أن تكون منطلقًا للعملِ البنّاء. لو امتلك الإسلاميون قوّةَ التأثير الدعويّ، المبنيّ على بصيرةٍ ومحبّةٍ، لأصبحتْ مهرجاناتُ الآخرين مجرّدَ أصداءٍ باهتة. التجربةُ الشخصيّةُ تُثبت أنّ الجمهورَ مُتعطّشٌ للبديلِ الهادف؛ فقد تجاوز الحضورُ في مهرجانٍ رياضيٍّ وإنشاديٍّ أُقيمَ في قلبِ صيدا 2500 شخص، معظمُهم لم يكونوا من الملتزمين بالضرورة. هذا يُثبت أنّ الساحةَ خصبةٌ، لكنّها تحتاجُ إلى زارعٍ ماهر. إنّ ضعفَ التأثيرِ يترجمُ نفسَه بوضوحٍ في صناديقِ الاقتراع، حيث لا يتجاوزُ رصيدُ الإسلاميين في الانتخاباتِ النيابيّة والبلديّة 3500 صوت، وهو رقمٌ ضئيلٌ لا يَعكسُ حجمَهم الحقيقيَّ المُفترَض، ويَكشِفُ عن عجزٍ في تحويلِ التعاطفِ إلى قوّةٍ سياسيّةٍ فاعلة. يترجم ضعفَ التأثيرِ نفسَه بوضوحٍ في صناديقِ الاقتراع، حيث لا يتجاوزُ رصيدُ الإسلاميين في الانتخاباتِ النيابيّة والبلديّة 3500 صوت، رقمٌ ضئيلٌ لا يَعكسُ حجمَهم الحقيقيَّ المُفترَض هيمنة العلمانية المشهدُ السياسيُّ السُّنّي في صيدا يخضعُ، للمفارقة، إلى هيمنةِ تيّاراتٍ علمانيّةٍ بعيدةٍ كلَّ البعد عن الالتزامِ الدينيّ. فالمقعدان النيابيّان المخصّصان للطائفةِ تُسيطرُ عليهما أحزابٌ تتراوحُ بين العلمانيّة الليبراليّة، واليساريّة، والبعثيّة. في أفضلِ الأحوال، قد نجدُ سياسيًّا يُصلّي ويصوم، ولكنّه يتبعُ نهجًا انتقائيًّا يَغلُب عليه الطابعُ الشكليّ، حيث يُنظرُ إلى الدعوةِ للعودةِ إلى الكتابِ والسُّنّة على أنّها “رجعيّة”. هذا التباينُ العميقُ ألقى بظلالِه على الحركاتِ الإسلاميّة نفسها، التي انقسمتْ وتشرذمتْ في خياراتِها السياسيّة، كما ظهرَ جليًّا في الانتخاباتِ البلديّة الأخيرة، ممّا أكّد أنّ النماذجَ الملتزمة ليستْ هي القاطرةَ التي تقودُ المشهد. فراغُ المرجعيّة وتوظيفُ الدين تُعاني صيدا من غيابِ مرجعيّةٍ دينيّةٍ حقيقيّةٍ ومستقلّة. فغالبيةُ المشايخِ موظّفون ضمن “دار الفتوى”، وهي مؤسّسةٌ رسميّة تتبعُ دولةً لا ينصُّ دستورُها على هُويّتِها الإسلاميّة، بل يَعترفُ ويُقنّن مؤسّساتٍ تتناقضُ مع أبسطِ مبادئِ الدين. يُضافُ إلى ذلك، أنّ بعضَ حاملي الرسالةِ الدينيّة يفتقرون إلى العمقِ العلميّ والتأهيلِ الكافي، ممّا يُضعفُ من قدرتِهم على التأثيرِ والإقناع. وفي ظلّ غيابِ المرجعيّاتِ الراسخة التي كانت تُمثّلُها الأجيالُ السابقة، ظهرتْ “أشباهُ مرجعيّات” باتتْ تدورُ في فلكِ رجالِ المالِ والسياسة، وتُصدِرُ فتاوى تُرضي أهواءَهم طمعًا في مكاسبَ دنيويّة، ممّا أفرغَ الخطابَ الدينيَّ من مصداقيّتِه. المواجهةُ تبدأ من الذات قبل أن تُوجّهوا اللومَ إلى الناشطِ العَلمانيّ، أو المناضلِ اليساريّ، أو المستثمرِ في الفنِّ الهابط، أو حتى “المُستشيخ” الذي يطرقُ أبوابَ السلطة، عليكم أن تتوقّفوا وتلوموا أنفسَكم. فالعِلّةُ تكمُنُ في تقصيرِكم عن ترتيبِ البيتِ الداخليّ، وفي استغلالِ الدينِ لمصالحَ شخصيّةٍ ضيّقة. الطريقُ نحو التغيير طويلٌ وشاقّ، ولا يمكن أن يبدأ إلا بخطوتين متلازمتين: الإيمانُ والعمل. الإيمانُ يتجذّرُ بالوعيِ العقائديّ الصحيح، والعملُ يتجسّدُ في تقديمِ نماذجَ قياديّةٍ مُلهِمة وتطبيقٍ عمليٍّ على أرضِ الواقع. لن تتغيّرَ صيدا بين ليلةٍ وضحاها، بل بالصبرِ والعملِ الدؤوبِ وتقوى الله. حينها فقط، قد ترتدي المدينةُ "تاجَ الوقار" الذي تتمنّونه، وتتشكلُ الهُويّةُ التي تسعونَ إليها.
في عام 1940، اتحدت قوتان عظميان، الصين وروسيا، في حلف غير مسبوق، بهدفٍ واحدٍ فقط: القضاء على رجلٍ واحد فقط! فمَن هو هذا الرجل الذي دفع دولتين بحجم الصين وروسيا لتعبئة جيشٍ ضخمٍ يضم 300 ألف مقاتل، مزوّدين بأحدث الأسلحة آنذاك؟ إنه بطلٌ من أبطال الأمة المجهولين، طُمست ذكراه عمدًا من تاريخنا: إنه عثمان باتور إسلام أوغلو. عندما اجتاحت الجيوش الصينية والروسية تركستان الشرقية لإخضاع المسلمين، لم تتوانَ عن ارتكاب أبشع الجرائم: قتلٌ، ونهبٌ، واغتصابٌ، وانتهاكٌ للحرمات. كانوا يلقون القبض على كل من يحمل سلاحًا، مهما كان نوعه، سواء أكان بندقيةً أم سهمًا أم حتى سكين صيد. لكن عثمان، الفارس القازاقي الشجاع، المعروف بلقب “باتور” أي البطل، رفض أن ينحني لهؤلاء الغزاة. اختار حياة الجبال، حاملًا سلاحه، ليبدأ في مقاومة هذا التحالف العدواني الذي جاء ليمنع قيام دولةٍ توحّد المسلمين في تلك البقاع. عُرف عثمان بدهائه وحنكته العسكرية، حيث ابتكر أسلوبًا فريدًا في نصب الكمائن. كانت هذه الكمائن مركبة؛ يستدرج العدو إلى فخٍ تقع فيه سريةٌ كاملةٌ من الفتية، ثم إذا أتت قوات الإنقاذ، تقع بدورها في كمينٍ آخر أشد إحكامًا. استمر في هذه الاستراتيجية حتى أوقع جيوشًا بأكملها في شراكه، مما بث الرعب في نفوسهم. بلغ الخوف من عثمان ورفاقه مبلغًا جعل الجنود الروس والصينيين يقدمون الرشاوى لقادتهم، فقط لتجنب إرسالهم إلى تلك المناطق التي يقاتل فيها هذا البطل وجيشه. بل إن الحاكم العسكري الصيني بلغ به اليأس حدًا جعله يقول: “من يأتِ لي برأس عثمان حيًا أو ميتًا، أعطيته زوجتي 70 يومًا يفعل بها ما يشاء”. لكن الزوجة فرت إلى معسكرات المسلمين، وهناك اعتنقت الإسلام بعد أن شهدت أخلاق الجيش الإسلامي، فتزوجها أحد قادة عثمان، وعاشت بين المسلمين بعزةٍ وكرامة. كان لمعسكرات عثمان سمعةٌ عظيمةٌ بين الناس؛ فلم يعرفوا ظلمًا ولا اعتداءً على النساء والأطفال والشيوخ، بل التزموا بأخلاق الحرب الإسلامية النبيلة. يروي كتاب “ليالي تركستان” وصفًا دقيقًا لهذا القائد: “كان عثمان باتور ذا نظراتٍ صارمةٍ، كث اللحية، طويل الشارب، هادئ الحركة، قليل الكلام، عميق التفكير… كان يلبس ملابس ثقيلة تقيه برد الجبال القارس، وكان شعاره الذي يهز الجبال: الله أكبر… الله أكبر.” لكن مع كل ما أبداه من شجاعةٍ وبسالةٍ، لم يكن ممكنًا الإيقاع به إلا بالخيانة. دلَّ أحد الخونة قوات العدو على مكان تواجده. فهاجمت القوات الصينية معسكره بجيشٍ جرار. قاوم عثمان مع مائتي مجاهدٍ، في معركةٍ شرسةٍ، لكن جواده تعثر في نهاية المطاف، وبعد أن تعطل سلاحه، استمر في القتال بخنجره، حتى سقط جريحًا. بلغ الخوف من عثمان ورفاقه مبلغًا جعل الجنود الروس والصينيين يقدمون الرشاوى لقادتهم، فقط لتجنب إرسالهم إلى تلك المناطق التي يقاتل فيها هذا البطل وجيشه في 29 أبريل 1951، وقع عثمان باتور في الأسر. لم يستسلم، بل واجه الموت بجلالٍ وكرامةٍ، مهللًا ومكبرًا. وقُطع أنفه وأذنه، كما فعلوا بأسد الله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وأُعدم بينما صدح بالتكبير، متقدمًا نحو الموت بثبات. ولما بلغ الخبر أمه، قالت بفخرٍ واعتزازٍ: "لمثل هذا ربيته".