في اجتماعٍ “نُخبويّ” لعددٍ من “المهندسين الخبراء” عُقد في بلدية صيدا قبل أيّام، وتمّت الدعوة إليه على “الطريقة الصيداويّة”، أي عبر تواصل رئيس البلدية مصطفى حجازي مع عددٍ من المهندسين المدعوّين تحت عنوان “عقارات البلدية”، بينما أخبر عضو المجلس البلدي محمد الدندشلي آخرين دعاهم بأنّ الاجتماع مخصّص لبحث مستقبل “الواجهة البحريّة لصيدا” عقارات الواجهة البحرية في هذا اللقاء، الذي فاض تنظيراً وإعادةً للكلام الممجوج نفسه الذي يسمعه الصيداويون منذ سنين، جرت مناقشة موضوعٍ بالغ الأهميّة لحاضر ومستقبل المدينة. إنّه موضوع العقارات الأربعة الرئيسة الواقعة على الواجهة البحريّة الشماليّة للمدينة (الممتدّة من الملعب البلدي حتى تخوم المسبح الشعبي الحالي)، وهو موضوع قديم/جديد يطفو على السطح بين فترةٍ وأخرى ثم يختفي، من دون أن يفهم أحد لماذا يحصل ذلك. مشروع الفندق المثير للجدل في الاجتماع الذي حضره “المهندسون الخبراء”، تمّ البحث في طرق الاستفادة من هذه العقارات التي تُعَدّ من أملاك البلدية. وقد بدا واضحاً توجّهٌ يتّسم بالخفة والاستسهال المفرط من قِبَل أحد الأعضاء الجدد في المجلس إذ تحدّث عن وجود مستثمر “متحمّس وجاهز” يرغب ببناء فندق يضمّ كلّ المرافق المرافقة من مسابح ومطاعم ومقاهٍ وتوابعها، مقدّماً بعض الصور عن مخطّطٍ توجيهي للمشروع عرضها أمام الحاضرين. هذا الطرح، إن تمّ بالشكل المعروض، يعني انتقال استثمار الملكيّة إلى قطاعٍ خاص لن يراعي إلّا مصالحه الربحيّة والتجاريّة في استثمار أيّ دولار سينفقه. وهذا بدوره يعني –بحكم المنطق– أنّ البلدية لن تمتلك القدرة على فرض شروطها عليه، وإلّا فلن يرغب أحد بالاستثمار من دون عوائد مجزية، خصوصاً في الظروف التي يعيشها البلد حالياً. وعليه، فإنّ وجود فندق يُدار من قِبَل شركةٍ خاصة يعني حكماً وجود مسابح و”بيكيني” ومطاعم تقدّم الخمور، وصولاً إلى صالات ميسر على الساحل الشرقي للبحر المتوسّط. لُوحظ في اللقاء غَزَلٌ واضح بين “الغريمَين” حجازي والدندشلي، فبينما كان الثاني يخاطبه بـ”الريس”، كان الأوّل يبادله بـ”شيخ المهندسين” من الصعب أن تفهم مَن زرع في رؤوس القيّمين على "تطوير" المدينة أنّ المنافسة السياحيّة لا تكون إلّا على خُطى البترون وجونية والكسليك. ففي عالم اليوم بات التخصّص سِمَة النجاح، ولصيدا ميزاتٌ كثيرة غير "التعري"، ولو أُحسن استثمارها لكانت قيمةً سياحية مضافة، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على صعيد المنطقة بأكملها. هناك كمية هائلة من الأفكار التي من ممكن بحسن إدارة وقليل من الفطنة والنية الحسنة أن تنتج دورة اقتصادية فعلية في شرايين المدينة بشكل مستدام. وليس ترقيعا أو تقليدا أعمى لجهات ومناطق لن تستطيع صيدا الحالية منافستها، إلا إن تحولت إلي صيدا أخرى…وهو احتمال غير منطقي في الوقت الراهن!
بينما يستعدُّ لبنانُ لموسمٍ صيفيٍّ جديد، وسطَ التوتراتِ الإقليميةِ وتداعياتِها، مع أملهِ باستقطابِ السُّيّاحِ أو عودةِ المغتربين اللبنانيين لقضاءِ إجازاتِهم، تبرزُ تحدّياتٌ تتعلّق بالتفلّتِ الأمني في كثيرٍ من مناطقه، ومن بينها مدنُ الجنوبِ اللبنانيّ مثل مدينةِ صيدا العريقة في أقلّ من أسبوع، شهدت صيدا، ذات الموقعِ الجيوسياسيّ الحسّاس، جملةً من الحوادثِ وُصفت من قِبَلِ جهاتٍ مستقلّةٍ في المدينة بأنها تشهدُ على “الانفلاتِ الحاصلِ على مختلفِ الأصعدة وغيابِ المعالجةِ والمحاسبة”. مسلسلُ العنفِ والتفلّتِ سجّل تعرُّض أحد الصحافيين الذين يتناولون تحدّياتِ الإهمالِ والفسادِ في المدينة، ويكتبُ مقالاتٍ ذات طابعٍ استقصائيٍّ عن تردّي القطاعاتِ الصحيةِ والمجتمعيةِ فيها وتأثيرِ ذلك على السكان، لاعتداءٍ بالضربِ المُبرِح من قِبَلِ شبّانٍ وصفتهم البياناتُ الاستنكارية لاحقًا بـ”البلطجية”. وفي حيثياتِ ما بات يُعرفُ بقضية #بلطجية_شاطئ_صيدا، أنَّ المعتدين تربّصوا بالصحافي إبراهيم توتونجي، أثناء قيامِه بممارسةِ رياضتِه على الشاطئ، وانهالوا عليهِ بالضربِ والترهيب، ما سبّب له إصاباتٍ جسديةً ونفسيةً بارزة. وخلال اليوم ذاته، أدّى إطلاقُ نارٍ من أحدِ المسلحين على مواطنين يعملون في مجالِ توليدِ الكهرباءِ البديلةِ في الأحياءِ إلى إصابات، وتمّ تداولُ فيديو لهذه الواقعة، يُظهر اقتحامَ المسلّحِ لأحدِ السياراتِ وفتحَهُ أبوابَها بالقوّة، وإطلاقَ الرصاصِ على من فيها، من رشاشٍ حربيّ. وأظهرَ فيديو آخر قيامَ أحدِ الأشخاصِ بالاعتداءِ الجسديّ على سيّدةٍ في مكانٍ عامٍّ لممارسةِ رياضةِ لعبة “البادل”، وظهرت السيدةُ في الفيديو المُتداول وهي تتعرّضُ لصفعاتٍ متتاليةٍ من رجلٍ، وجَّه لها شتائمَ وإهاناتٍ، إضافةً إلى الضرب. وفي فيديو صادمٍ آخر، على مقربةٍ من الجامعِ الرئيسيّ قرب كورنيش المدينة، أظهرت الصورُ هجومًا جماعيًّا من رجالٍ على رجلٍ واحد، مستخدمين أدواتٍ مختلفةً للتعدّي، من كراسٍ وعصيٍّ وأدواتٍ حادّة. وتداول الناس تعليقاتٍ كثيرةً عن شجاعةِ الرجلِ الذي ارتدى زيًّا رسميًّا يوحي بطبيعةِ مهنتِه الخاصةِ بالشأنِ العامّ، وهو يقاومُ بشراسةٍ المعتدين. ويبقى السؤال إن كانت هذه الحادثةُ هي عبارةً عن رسالةٍ للجريدةِ التي صدرت مؤخرًا بشكلٍ مغايرٍ عمّا هو سائدٌ في إعلام المناطقِ والمدن، من أجل “تحسين وتطوير الحياةِ في المدينةِ عبر العملِ الإعلاميّ المهنيّ الحرّ والمسؤول #بلطجية_شاطئ_صيدا وأثارت تلك الأحداث، ومن بينها الحدث الذي بات يُعرف إعلاميًّا بـ**#بلطجية_شاطئ_صيدا**، ردودَ فعلٍ واسعةً تعدّت النطاقَ الجغرافيَّ للمدينةِ ولبنان، لتصلَ الأصداءُ إلى الخارج. وعلّق الرسّام زاهر البزري، ابن المدينة، وأحدُ الفنانين المعروفين عالميًّا والحائزُ على عدّةِ جوائزَ عن لوحاتٍ جسّدت التراثَ الحضاريَّ لصيدا، في بيانٍ صدرَ باسم “الشارع الثقافي”، وهي الجمعية التي أسّسها ويديرها:“إنّ ما نشهده من مخالفاتٍ وفوضى في المدينة ليس إلا انعكاسًا لحالةِ الانحدارِ الأخلاقيِّ والسلوكيِّ، التي لا تمثّل القيمَ الحقيقيةَ لأُسَرِ مدينةِ صيدا، ولا تعكسُ صورةَ التربيةِ الأصيلةِ التي نشأت عليها العائلاتُ الصيداوية.” من جهتها، أشار تجمُّع “مهندسون من صيدا والجوار” إلى الأعطالِ التي تواجهُ آلياتِ التبليغِ عن الاعتداء، مستشهدًا بحادثةِ التعدّي على الصحافي توتونجي، بكونِه حاولَ طلبَ النجدةِ من رقمِ الطوارئ 112 أكثرَ من مرةٍ دون أيّ ردّ.وتساءل البيان:“هل أصبحت صيدا محكومةً بشريعةِ الغاب؟ وهل بات العنفُ والسلاحُ والاعتداءُ العلنيُّ جزءًا من الحياةِ اليوميةِ في المدينة؟” وأضاف “المهندسون”: “أين القوى الأمنية؟ أين شرطةُ البلدية؟ ومن يحمي ويُحاسب؟” في السياق ذاته، برز ربطٌ بين أثرِ هذه الأحداثِ المتكرّرة على الدورةِ الاقتصاديةِ للمدينة، التي تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الزياراتِ الداخليةِ والخارجيةِ لإرثِها وآثارِها ومرافقِها السياحية، وأشار بيانٌ صدر عن “المركز الوطني للعيون”، وهو مؤسّسةٌ غير تجاريةٍ تساعد على معالجةِ فاقدي البصر، وتتخذُ من المدينة مركزًا لها، إلى إساءةِ هذه الأحداثِ للحركةِ التجاريةِ في المدينة، الأمرُ الذي يزيدُ من قسوةِ الأزمةِ الاقتصاديةِ الخانقةِ التي تمرُّ بها، كما كاملُ لبنان.وذكر بيانُ المركز أنَّ الصحافي الذي تعرّضَ للضرب هو أحدُ الشخصياتِ “المعروف عنه حبُّه وتعلُّقه بمدينتِه وإثارتُه لقضاياها التنمويةِ والبيئيةِ عبر مقالاتِه وإطلالاتِه الإعلاميةِ المحليةِ والعربية”. وتساءل الصحافيُّ الاستقصائيُّ وفيق هواري، الذي ينتمي للمدينةِ ويكشفُ قضايا المخالفاتِ والفسادِ فيها، في خبرِه عن حادثةِ الاعتداء على زميلِه توتونجي، والذي نُشرَ في موقع جريدة “البوست” Al-Post بعنوان: “صيدا لم تعد آمنةً لأهلها”، إن كانت هذه الحادثةُ هي عبارةً عن رسالةٍ للجريدةِ التي صدرت مؤخرًا بشكلٍ مغايرٍ عمّا هو سائدٌ في إعلام المناطقِ والمدن، من أجل “تحسين وتطوير الحياةِ في المدينةِ عبر العملِ الإعلاميّ المهنيّ الحرّ والمسؤول”، أم أنها “حادثةٌ فرديةٌ تُظهر هشاشةَ الوضعِ الأمنيِّ والإنسانيِّ في مدينةٍ تحاول نفضَ الغبارِ عن تراكماتِ الرجعيةِ والغبنِ واللامبالاة التي أوصلت مستوى الحياة فيها إلى ما وصلت إليه اليوم؟” الاعلام المسؤول وقال الصحافيُّ إبراهيم توتونجي، الذي تعرّضَ لحادثةِ الاعتداء، في منشورٍ على صفحتِه على “فيسبوك”:“شعرتُ بألمٍ كبيرٍ على المستويين الشخصيّ والمهنيّ، إذ تعرّضتُ في مدينتي إلى اعتداءاتٍ متتاليةٍ على مرأى من جموع الناس، ثمّ على مرأى من عناصرِ شرطةِ البلدية، من دون أن يتدخل أحدٌ لنجدتي”.وأضاف: “لطالما دافعتُ عن حقوقِ الناس بالسلامةِ الجسديةِ والنفسيةِ في الأماكنِ العامة، وكتبتُ الكثيرَ عن ذلك، لأجدَ نفسي اليومَ ضحيةَ ممارساتِ البلطجة، وجهًا لوجه”.وأكّد على مُضيّه في اتخاذِ كافةِ المسالكِ القانونيةِ والحقوقيةِ للوصولِ إلى العدالةِ ومعاقبةِ المعتدين. وكَرِسالةٍ منه بالتمسكِ بحريةِ التعبيرِ عن الآراءِ والأفكار، وكذلك نمطِ الحياة، أعاد توتونجي بعد الحادثة نشر مقتطفاتٍ من مقالاتِه التي نشرتها “البوست” خلال شهر يونيو، كتأكيدٍ على عدمِ تراجعه، رغمَ الترهيب، عن القيامِ بدورِه المهني. ويرِد في مقالةٍ تحمل اسم “كاوبوي على سُلّمِ المستوصف”:“تمسكُ المستوصفاتُ الناسَ من أياديها وأعناقها وكراماتِها، لأنّ البديلَ بالطبع: عياداتٌ خاصّة، للأطبّاء ذاتهم، يُدفَع لقاء التحدّثِ معهم لدقائق، بدلًا يبدأ من خمسين دولارًا، في بلدٍ لا يتنطّح الحدّ الأدنى للأجور فيه فوق 350 دولارًا.” وفي مقالةٍ أخرى حملت اسم “قرقعة على رأس الهلالية”، يسلّط توتونجي الضوء على مساراتِ السياسةِ المدمّرةِ في صيدا مثل: السيطرة على أراضي أهل المدينة عبر التلاعبِ بسلطات المجلس البلدي، التواطؤ بين الإقطاعيين السياسيين وأصحاب الأعمال، تسويق مشاريعَ إلى حكومات الدولِ المانحة والصناديقِ الداعمة بهدف الحفاظِ على الإرث الحضاري للمدينة التي تُعدّ من أقدمِ مدن البشرية الحية، نهب الجزء الأكبر من أموال المانحين باستخدام النفوذ السياسي وألاعيب الكذب والفساد، انتهاك الأمان الصحي والنفسي لسكان المدينة وقتل روح المحاججة والمحاسبة عبر إغراقها حرفيًّا بالنفايات. ويرِد في المقالة:“حين يخرج صيداوي من بيته صباح أحد الأيام، ولا يعود إلّا جثةً لحضن أهله: إما لأنّ مشافي المدينة تعجُّ بالفيروساتِ المتغلغلةِ في أجهزة التنفّس، والتي تنخر أيضًا “مهارات” الطاقم التمريضي، قليلِ الخبرة والتعاطف، بينما يتنعم أصحابها بالثرواتِ تُضَخُّ لحساباتهم “الفريش” ليلَ نهار، من دون أدنى تأكّدٍ من مواءمةِ منشآتهم للاحتياجات الصحية والإنسانية، أو بالموتِ على الطرقات لأنّ قوانينَ البلديةِ ووظائفَها المتعلقةَ بالإنارة العامة، وحفرِ الطرقات، وأدبياتِ طرق المشاة، والفتحاتِ غير القانونية بين الشوارع، ومافيا بيعِ الموتوسيكلات ونشرِها وتطبيعِ حماقاتِها… هي قوانينُ تنام في سرير الأدراج العتيقة. أو لأنّ نسائمَ الصيفِ محمّلةٌ بكلِّ أنواعِ الروائحِ الغريبة، رَوائحُ نجحت في العيشِ والتمدُّد في الأثيرِ الصيداوي، منها فُوحُ جبلِ النفاياتِ
على الرغم من التحديات القائمة، يبقى لبنان بلدًا جاذبًا للسياح العرب، خصوصًا من دول الخليج الذين يبحثون عن وجهة تجمع بين الطبيعة، الثقافة، والضيافة العربية. النجاح في استعادة أعداد كبيرة من السياح هذا الصيف مرتبط بتحقيق الاستقرار السياسي وتحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية. ويبقى الأمل عند اللبنانيين وكثيرون ينتظرون القادم من الأيام….