تحميل

إبحث

ماذا لو

انتخابات السوق…بيع وشراء

تحاصص بلدية
كانت المشاهد المختلفة عما نراه اليوم في شوارع صيدا العريقة، تلك التي مشت عليها أقدام الفينيقيين، وهتفت فوقها حناجر المقاومين، يتردّد اليوم صدى شعارات انتخابية تثير الحسرة أكثر مما توقظ الأمل
ماذا لو؟

«صيدا بدها»؟ وكأن المدينة الفينيقية التي صدّرت الأبجدية للعالم باتت شحّاذة على أبواب الطموحات السياسية.
«صيدا بتستاهل»؟ وكأنها في انتظار صدقة مشروطة من هذا المرشّح أو ذاك.
«سوا لصيدا»؟ ولو كان هناك فعلاً “سوا”، لكانت اللائحة واحدة، والرؤية موحّدة، والخدمة للمدينة فوق كل اعتبار.
نبض البلد“؟ وكأن آلام الناس لا تُحسّ إلا قبيل موسم الانتخابات فحسب.

صيدا اليوم ليست بحاجة إلى لافتة ولا منشور ولا موكب. صيدا بحاجة إلى من يعيد لها كرامتها المصادرة منذ سنوات، لا عبر الاحتلال أو الحروب، بل عبر التهميش، والإفقار، والانقسام، والحملات التي تسوّق لأوهام التنمية بينما ترسّخ واقع الذلّ والخنوع.

لقد تحوّلت المدينة، في هذه الانتخابات البلدية، إلى ما يشبه السوق العتيقة؛ تُعرض فيها “بضائع” البرامج الانتخابية الرثّة على أرصفة الكلام المنمّق، بينما الحقيقة أن المدينة هي التي تُباع في المزاد.

نعم، صيدا “بدها”، ولكن ما تريده ليس إسفلتًا يُفرش قبل الانتخابات ويُنسى بعد الصورة التذكارية. صيدا لا تريد حفلة تنظيف رمزية عند جبل النفايات، بل تريد إزالة عقلية النفايات التي راكمت الفساد والتناحر فوق المدينة. لا يكفي أن نرشّ ماء الورد فوق الركام، لأن الرائحة لا تزول بالمعطرات، بل بتجفيف المستنقعات.

بالأرقام

وفق آخر إحصاءات البنك الدولي، يعيش أكثر من 36% من سكان صيدا وضواحيها تحت خط الفقر، مع بطالة تتجاوز 25% بين الشباب. التعليم الرسمي يتآكل، والاستشفاء يُباع، والمرافق تتآكل في ظل غياب التخطيط. وبينما يتناحر المرشّحون على من يرفع شعارًا أجمل، تنخفض نسبة المشاركة السياسية الفعلية؛ إذ لم تتجاوز نسبة التصويت في الانتخابات البلدية الأخيرة 30%، ما يعكس انعدام الثقة الجماعية في جدوى التغيير عبر صناديق تتنازعها العائلات والصفقات.

رجال صيدا؟

أين أنت يا معروف سعد، الذي سقط على رصيف الميناء دفاعًا عن العمال والفقراء؟
أين أنت يا رفيق الحريري، الذي حلم بأن يجعل صيدا بوابة الجنوب إلى العالم؟
أين أنت يا شيخ محرم العارفي، الذي علّم الأجيال أن الدين ليس سلطة بل قضية؟

لو كان هؤلاء أحياء، لما سُمح بأن تُذلّ المدينة بهذه الطريقة، وأن تُختصر في شعار انتخابي، أو تُخنق في فوضى لوائح مشرذمة، كل منها تدّعي الوصاية على حاضرها، بينما مستقبلها على جهاز الإنعاش.

صيدا أحرقت نفسها عبر التاريخ، لا حبًا بالنار، بل حفاظًا على الكرامة والكبرياء.
من زمن الشهداء الذين فضّلوا الموت حرقًا على أن ترفع راية الغزاة فوق مدينتهم، إلى معاركها في وجه الاحتلال الإسرائيلي، إلى صمودها في وجه الاجتياحات السياسية والطائفية.

الخطر مختلف 

ليس عدوًا خارجيًا، ولا دبابة على التلال، بل “ماء” تمرّ من تحت القلعة — قلعة المدينة التي صمدت في وجه الطوفان، لكنها قد تسقط إذا تُركت للمؤامرات تنخرها من الداخل.مؤامرات ناعمة، تمرير بطيء لأفكار لا علاقة لها بالمصلحة العامة، بل بتحقيق غايات خبيثة، على حساب المدينة وأهلها.

صيدا لا تحتاج إلى مكرمة من أحد. صيدا تعطي، ولا تستجدي.هي التي احتضنت الفلسطيني والنازح، الفقير والجريح، الثائر والمهمّش. هي التي قاومت بالخبز كما بالسلاح، وبالكتاب كما بالبيان، وبالصوت كما بالسكوت.

السكوت خيانة

إذا كان “جبل الزبالة” هو المشكلة في عيون المرشحين، فالمشكلة الأكبر تكمن في العقول التي راكمت هذا الجبل، وأقنعت الناس أن الخلاص لا يأتي إلا على أيديهم.

نسبة السكان تحت خط الفقر (مدينة صيدا وضواحيها)
نسبة البطالة بين الشباب (مدينة صيدا وضواحيها)
نسبة التصويت في الانتخابات البلدية الأخيرة (محافظة الجنوب - قضاء صيدا)
separator

صيدا ليست قاصرة حتى تنتظر من يعطف عليها، ولا مشوّهة حتى تُرمّم. صيدا، كما هي قلعتها، قائمة. لكنها اليوم بحاجة إلى من يحميها من التسوّل السياسي، لا من ينحرها بشعارات ركيكة. فاحذروا…إذا انهارت صيدا، لا تُفتّشوا عن السبب فوق سطح الأرض، بل انظروا تحت القلعة، حيث تمرّ المياه العكرة وتصمت المدينة. لكنها، حتمًا، لن تصمت طويلًا…

العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا