في مكانٍ ما من هذا العالم الذي لا ينام، حيث تتحدث الخوارزميات بلغة البشر وتفهمهم قبل أن يفتحوا أفواههم، وُلد Agent NEO.. وكيل ذكي. لا يتبع حزباً، ولا يعترف بالمرجعيات، ولا يجلس في لجنة استشارية بطيئة الهضم. إنه ببساطة: يفهمك
ليس “يفهمك” بالمزاج الصيداوي السياسي المعتاد (عندما يقول لك أحدهم “فهمتك” وهو في الحقيقة يتمنى أن تسكت)، بل يفهمك حقاً: يلتقط إشاراتك، يعيد تخطيط مهمته أثناء تنفيذها، يستخدم كل أداة ممكنة… ويعمل. وللمفارقة، فإن هذا الذكاء الاصطناعي الذي لم يعش في صيدا، ولم يزر أسواقها ولا تنشق رائحة قهوتها المرة، فهم المدينة. بينما لا تزال فعاليات المدينة – من علية القوم إلى “صانعي التنمية” – تسأل:”شو بدكن لأن صيدا بدها وبتستاهل وسوا بدنا نغييّر؟”بعد سبعين عامًا من السؤال نفسه.
تُحب أبناءها ولا تفهمهم
في صيدا، المدينة المعلقة بين المجد القديم والذاكرة الانتقائية، لا مشكلة في أن تقيم فعالية بعنوان “نحو مدينة ذكية”، وأن توزع شهادات تقدير على حضورٍ جاء من باب الواجب في احتفال أقيم في قاعة البلدية. لكن الكارثة أن تكون المدينة نفسها عاجزة عن تحديد من يسكنها فعلاً، وماذا يريد هؤلاء السكان.
أرقام بلا خيال
(المصدر: تقرير الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024)
نسبة البطالة بين الشباب تحت سن الثلاثين في المدينة
نسبة التسرب المدرسي في الأحياء الشعبية
نسبة الشباب الذين يفكرون بالهجرة
من أصل 27 مشروعًا تنموياً بين 2015 و2023، 7 فقط نُفذت بالكامل ولا توجد خريطة اجتماعية واحدة توثق الاحتياجات وتبقى نفس الجهات تنظم المؤتمرات، وتصدر التوصيات، ثم تختفي… لتعود بصيغة PowerPoint محدثة قليلاً
آلة بلا قلب
سُئل NEO:”هل يمكنك مساعدة صيدا؟” فأجاب:”نعم، فقط أعطني بيانات نظيفة ونية حقيقية.”
يا له من وقح! كيف يجرؤ على طرح شروط لا تتضمن “غداء عمل” ولا “اتصال بمرجعية القرار”؟لكن الحقيقة المحرجة أن NEO يعمل بينما نحن نحتفل.هو لا يحتاج إذناً من أحد، بل يتحرك وفق منطق المهمة.بينما نحن… نتحرك وفق منطق الصورة:”قص الشريط”،”تصفيق مدوٍّ”،”بيان ختامي”،ثم لا شيء.
NEO لا يهتم بمن كتب الفكرة، بل ينفذها إذا كانت مفيدة. أما نحن، فنهدر نصف الجهد في التساؤل:”مين صاحب المشروع؟ من أي تيار؟ تبع مين؟” في صيدا، تتوقف المشاريع عند أول اختلاف على ترتيب الأسماء في البيان. وفي صيدا، ينجو كل شيء… ما عدا الفكرة الجيدة التي لا راعٍ لها.NEO لا يحتفل بنجاحه،بينما هنا، تُقام حفلات ضخمة على أنقاض مشاريع غير مكتملة،وتُلتقط صور “تاريخية” أمام مبادرات لم تعش يومًا واحدًا في الواقع.
منذ سنوات، لم تُحدَّث قاعدة بيانات عن أحياء التعمير والنبعة والفيلات والبلد القديمة.لم يُسأل الأطفال هناك: ما الذي تحتاجونه؟ لم تُعرف حاجات المرأة في الأحياء الفقيرة.لم يُناقش الجيل الناشئ الذي يعيش على هامش الجدران الإسمنتية.لكننا نملك أرشيفًا كاملاً… للفعاليات! الناس تهاجر،الطاقات تُستنزف،والمدينة تكرر الخطاب نفسه بلكنة جديدة كل أربع سنوات.تمامًا كبرنامج قديم… بواجهة مستخدم محدثة.
غيبوبة “التمثيل الذكي”
قد لا يكون الحل في أن تستورد المدينة ذكاءً صناعيا، بل أن تستفيق من غيبوبة “التمثيل الذكي” وتبدأ في ممارسة الذكاء فعلاً.NEO لا يملك قلبًا، لكنه يملك وعيًا بالأولوية. بينما نحن نملك القلوب، لكننا نستخدمها أحيانًا للتصفيق… لا للفهم.المطلوب ليس خطة خمسية جديدة،ولا ورقة استراتيجية تُعرض على شاشة في فندق.المطلوب فقط أن نسمع ما يقوله الواقع،قبل أن يقرر الواقع… مغادرتنا.