تحميل

إبحث

في الصميم

لنصمت احتراماً للصمت الانتخابي

لنصمت احتراماً للصمت الانتخابي

ها هو الصمت الانتخابي يُطلّ علينا اليوم، بهدوئه الرسمي المهيب، مانعاً الخطابات، حاظراً المهرجانات، وطارداً يافطات المرشحين من الأرصفة كما يُطرد المواطن لاحقاً من جدول الاهتمامات بعد الفوز. ٢٤ ساعة قبل الاقتراع، مطلوب من الجميع “السكوت” احتراماً للديمقراطية. ولكن، أي ديمقراطية هذه التي تصمت منذ سنوات عن أبسط الحقوق، بينما تصرخ فقط عندما تقترب صناديق الاقتراع من باب البلدية؟ في صيدا، النبطية، صور، مرجعيون، حاصبيا، وكل زاوية جنوبية، يمكننا اختصار الحال بجملة واحدة: الدولة ساكتة… ولكن ليس عن حكمة

بلدية في محافظتي الجنوب والنبطية
0

■ لا مياه، لا كهرباء، لا شوارع..لكن لدينا لوائح

من بين 128 بلدية في محافظتي الجنوب والنبطية، يعاني أكثر من 70٪ منها من مشاكل بنيوية في شبكات الصرف الصحي ومياه الشفة، بحسب تقرير لوزارة الطاقة (2023). وفي مدينة صيدا نفسها، لم تُنجز حتى اليوم عملية إصلاح شاملة لمحطة تكرير المياه، رغم مرور أكثر من10 سنوات على وضع الحجر الأساس.

الكهرباء؟ حسنًا، في النبطية تصل التغذية في بعض الأحياء إلى 3 ساعات يوميًا فقط. أما في بلدات مثل كفررمان والدوير، يعتمد المواطن كليًا على اشتراك المولد، والذي بات يُكلّف أكثر من 5 ملايين ليرة شهريًا لعائلة متوسطة! ومع ذلك، تنشط الحملات الانتخابية بوعد “التطوير”، و”التحديث”، و”الرؤية المستقبلية”، وكأن الزمن توقف بعد آخر وعد في انتخابات 2016.

بلديات تعاني من مشاكل بنيوية في شبكات الصرف الصحي ومياه الشفة
نحتاج إلى ضجيجٍ حقيقي، ضجيج مواطن واعٍ، لا يكتفي بوضع الورقة في الصندوق، بل يضع صوته في وجه الفساد، والإهمال

■ صيدا vs رام الله: مفارقة 

نأخذ مدينة صيدا، ذات الطابع التاريخي والموقع الاستراتيجي، ونقارنها بمدينة رام الله الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي منذ 75 عامًا. المفاجأة؟ بلدية رام الله تمتلك منصة إلكترونية تُتيح للمواطن تقديم الشكاوى ومتابعتها، والاطلاع على الموازنة السنوية، وخطط العمل البلدية بالتفصيل.

أما في صيدا، فإن المواطن يحتاج إلى “واسطة” ليدخل مكتب البلدية، ناهيك عن الوصول إلى أرقام مالية دقيقة. تقرير ديوان المحاسبة (2022) أشار إلى غياب الشفافية في 48 بلدية جنوبية، حيث لم تُقدم أي تقرير مالي منذ عام 2019.

■ الصمت بالصوت العالي

كأننا نعيش مشهدًا سرياليًا: نُعلن الصمت الانتخابي، ونُمارس في الوقت ذاته أعلى درجات الضجيج السياسي، المحاصصة، التحاصص، والمزاحمات العائلية على رئاسة البلدية، لا على دفتر مشاريع تنموية. وفي لحظة مفارقة عبثية، حين نرى لوحة إلكترونية معلّقة على مدخل النبطية كُتب عليها “أهلاً بكم في مدينة المستقبل”، نفكّر: عن أي مستقبل يتحدثون؟ المستقبل الذي سننتظره تحت عواميد الكهرباء غير الموصولة؟ أم في الصف أمام صهريج المياه المدعوم من “فاعل خير”؟

■ نكتة… ولكن حزينة

في إحدى القرى، قال مرشح بلدي خلال خطابه: “نعدكم بإنشاء حديقة عامة للترفيه”، فصفق الحاضرون. ولكنهم نسوا أن في قريتهم لا توجد حتى أرصفة للسير، ولا مقاعد انتظار في المستوصف، ولا حتى إشارة مرور عند المدرسة الرسمية. أي ترفيه هذا؟ نحن نحتاج إلى حديقة للبقاء، لا للفراغ.

ربما يبدو السؤال مستفزًا، لكنه مشروع من فرط الإهمال: لماذا يبدو كل شيء أكثر تنظيمًا على بعد كيلومترات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما يعيش الجنوب، ذو العمق الثقافي والديني والتاريخي، حالة “بلدية الطوارئ المزمنة”؟ هل ننتظر غارة لتُصلح البنية التحتية؟ هل يجب أن نُحتل حتى تُحترم كرامتنا كمواطنين؟

separator
ساعة
دقيقة
ثانية

■ النهاية ليست عند 00:00

الصورة الرمزية لساعة التوقيت التي تُشير إلى “00:00” لا تُجسّد بداية الصمت الانتخابي، بل تختصر مشهدًا أكبر: صفر مشاريع، صفر مساءلة، صفر تغيير. وفي بعض الأماكن، يُضاف شريط لاصق على الرقم الأخير، ليصبح “صفر حرية التعبير”. صمتٌ انتخابي اليوم، نعم. لكننا نحتاج إلى ضجيجٍ حقيقي، ضجيج مواطن واعٍ، لا يكتفي بوضع الورقة في الصندوق، بل يضع صوته في وجه الفساد، والإهمال، والموروث السياسي المهترئ.

فليصمت المرشحون اليوم… وليبدأ المواطن بالحديث!

العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا