تحميل

إبحث

في الصميم

حين يُحتفل بالفوز وتُنسى صيدا

sidon_inclusivity

بلديةُ صيدا، بجميع مؤسساتِها، هي مِلكٌ لجميعِ أبنائِها، وليست منصةً لطرفٍ دونَ آخر. هذا المبدأُ البديهيُّ بدا وكأنَّهُ قد ضلَّ طريقَهُ مؤخراً، حينَ استُخدِمَ الموقعُ الرسميُّ للبلديةِ للاحتفالِ بفوزِ لائحةٍ انتخابيةٍ محددةٍ، مما أثارَ موجةً من الاستياءِ والتساؤلاتِ المشروعةِ حولَ حياديةِ هذهِ المنصةِ العامةِ ودورِها المفترضِ في خدمةِ المدينةِ بأكملِها، لا فصيلٍ بعينِهِ.

فهل تحوَّلَ منبرُ البلديةِ إلى بوقٍ دعائيٍّ، متناسياً واجباتِهِ الأساسيةَ في نقلِ همومِ الناسِ وقراراتِ المجلسِ البلديِّ بشفافيةٍ وموضوعيةٍ؟ سؤالٌ يترددُ صداهُ في أرجاءِ المدينةِ التي تتوقُ إلى مؤسساتٍ تُمثِّلُها حقاً.

في خضمِّ هذهِ الاحتفالاتِ، من الضروريِّ التذكيرُ بأنَّ مقياسَ النجاحِ الحقيقيِّ في العملِ البلديِّ ليسَ بعددِ المقاعدِ المُكتسبةِ في صناديقِ الاقتراعِ، بل بمدى الأثرِ الإيجابيِّ الملموسِ الذي يلمسُهُ المواطنُ في حياتِهِ اليوميةِ. الانتصارُ الفعليُّ هو في شوارعَ نظيفةٍ، وبنيةٍ تحتيةٍ قويةٍ، ومرافقَ عامةٍ لائقةٍ، وفرصِ عملٍ كريمةٍ، وليسَ في مجردِ حصدِ الأصواتِ.

يحقُّ لأيِّ طرفٍ أنْ يحتفلَ بنجاحِهِ الانتخابيِّ، فهذا أمرٌ مُسلَّمٌ بهِ. لكنَّ السؤالَ الأهمَّ الذي يطرحُهُ أهالي صيدا اليومَ، بعدَ خمسةَ عشرَ عاماً من “الانتصاراتِ” المتكررةِ للبعضِ: ما هي ثمارُ هذا الفوزِ التي جَنَتْها المدينةُ؟ هل نفرحُ بتراكمِ جبالِ النفاياتِ مجدداً، أم بسياساتِ الهدرِ الماليِّ في ملفِ المعالجةِ، أم بالإهمالِ المستشري في عملياتِ الجمعِ والنقلِ؟

كيفَ يمكنُ الحديثُ عن انتصارٍ والمدينةُ تئنُّ تحتَ وطأةِ بنيةٍ تحتيةٍ متهالكةٍ، ومرافقَ عامةٍ تُركتْ للإهمالِ، وشبابٍ يفتقدُ لأبسطِ فُرصِ العملِ؟ كيفَ نقيسُ هذا “النجاحَ” والفوضى تعمُّ مختلفَ القطاعاتِ، ووجهُ المدينةِ التراثيُّ والثقافيُّ يتعرضُ للطمسِ يوماً بعدَ يومٍ، والاعتداءاتُ على الأملاكِ العامةِ مستمرةٌ بلا رادعٍ؟


المفارقةُ الصارخةُ تكمنُ في استمرارِ البعضِ بالتباهي بهذا الفوزِ الانتخابيِّ، وكأنَّ الغايةَ الكبرى تحققتْ بمجردِ الوصولِ إلى مقاعدِ المجلسِ البلديِّ، متناسينَ أنَّ الهدفَ الأسمى هو خدمةُ الناسِ وصونُ كراماتِهم. إنَّ المواطنينَ ليسوا مجردَ أرقامٍ في معادلةٍ سياسيةٍ ضيقةٍ؛ إنهم يخوضونَ معركةَ وجودٍ يوميةً من أجلِ حقوقِهم وكرامتِهم، ومن أجلِ مدينةٍ تستحقُّ مستقبلاً أفضلَ بكثير.

إنَّ القوى الحيةَ في المجتمعِ الصيداويِّ، من داخلِ المجلسِ البلديِّ وخارجِهِ، لن تتوانى عن مواصلةِ النضالِ لتمثيلِ صوتِ الناسِ الحقيقيِّ، وفضحِ مكامنِ الفشلِ والتقصيرِ، ومحاسبةِ كلِّ منْ ساهمَ في هذا التردي، والعملِ بجدٍّ لبناءِ بديلٍ فاعلٍ وقادرٍ على انتشالِ المدينةِ، بدلاً من الابتهاجِ على أنقاضِ الفشلِ. وما شهدناهُ مؤخراً من بوادرَ تغييرٍ، ما هو إلا نتيجةٌ طبيعيةٌ لسنواتٍ طويلةٍ من الجهدِ والمثابرةِ.

التاريخُ شاهدٌ لا يرحمُ، وذاكرةُ الناسِ لا تخونُ، ومسيرةُ التغييرِ الحقيقيِّ نحو الأفضلِ ستستمرُّ وتتواصلُ، مهما طالَ الزمنُ أو تعقدتِ الظروفُ. هذهِ ليستْ مجردَ خاطرةٍ عابرةٍ، بل صرخةٌ أطلقَها استفزازُ ما نُشِرَ على موقعِ بلديتِنا، بلديةِ صيدا.

إنَّ المواطنينَ ليسوا مجردَ أرقامٍ في معادلةٍ سياسيةٍ ضيقةٍ؛ إنهم يخوضونَ معركةَ وجودٍ يوميةً من أجلِ حقوقِهم وكرامتِهم، ومن أجلِ مدينةٍ تستحقُّ مستقبلاً أفضلَ بكثير
separator
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا