تحميل

إبحث

في الصميم

السّيناريوهاتُ المتوقَّعةُ لدخولِ أميركا الحرب

US war

تشهدُ منطقةُ الشّرق الأوسط، منذ الثالث عشر من حزيران/يونيو الحالي، حربًا مباشرةً غيرَ مسبوقةٍ بين إيرانَ وإسرائيل. بدأتْ بالضّرباتِ الإسرائيليّةِ على المنشآتِ النّووية والعسكرية الإيرانيّة في إطارِ عملية “الأسد الصاعد”، وردّتْ عليها طهران بعملية “الوعد الصادق 3” التي استهدفتْ مواقعَ عسكريةً واستخباراتيةً إسرائيلية. وسطَ هذا التّصعيدِ المتسارع، تتزايدُ التّساؤلاتُ حولَ إمكانيّةِ دخولِ الولاياتِ المتحدةِ الأميركيّةِ الحربَ بشكلٍ مباشرٍ إلى جانبِ إسرائيل، وما قد ينجمُ عن ذلك من تداعياتٍ جيوسياسيةٍ واقتصاديةٍ وعسكريةٍ على المنطقةِ والعالم

تكتسبُ هذه التّساؤلاتُ أهميّةً خاصةً في ظلّ التّصريحاتِ الأخيرةِ للرئيسِ الأميركيّ دونالد ترامب، التي تحدّث فيها عن “استسلامٍ غيرِ مشروطٍ” من إيران، ووصفَ المرشدَ الأعلى، علي خامنئي، بأنّه “هدفٌ سهل”، مؤكّدًا أنّ “صبرَ أميركا ينفد”. هذه التّصريحات، إلى جانبِ الاستعداداتِ العسكريّة الأميركيّةِ الملحوظةِ في المنطقة، تُشيرُ إلى احتماليّةٍ حقيقيّةٍ لتدخّلٍ عسكريٍّ أميركيٍّ مباشرٍ قد يُغيّرُ مجرى الصّراعِ بشكلٍ جذريّ.

طبيعةُ المواجهة

تخوضُ إيرانُ وإسرائيلُ، منذ ستةِ أيام، صراعًا مسلحًا مباشرًا يُمثّلُ تطورًا نوعيًّا في طبيعةِ العداءِ بين البلدين، الذي كانَ يقتصرُ سابقًا على حربِ الوكلاءِ والعملياتِ المحدودة. بدأتْ المواجهةُ بهجومٍ إسرائيليٍّ مباغتٍ استهدفَ عشراتِ المواقعِ الإيرانيّة، بما في ذلك منشآتٌ نوويةٌ رئيسيّةٌ ومواقعُ عسكريةٌ حيويّة، بزعمِ وقفِ توسّعِ البرنامجِ النّوويّ وبرنامجِ الصّواريخِ الإيرانيَّين.

ردّتْ إيرانُ بإطلاقِ دفعاتٍ من الصّواريخِ الباليستيةِ والطّائراتِ المسيّرةِ نحوَ إسرائيل، مستهدفةً مواقعَ عسكريّةً واستخباراتيةً وسكنيّة. وقد أسفرتِ المواجهةُ حتّى الآن عن خسائرَ بشريّةٍ وماديّةٍ كبيرةٍ في الجانبين، حيثُ تُشيرُ الأرقامُ الإيرانيّةُ إلى مقتلِ 224 شخصًا وإصابةِ 1481 آخرين، بينما تتحدّثُ مصادرُ حقوقيّةٌ عن 585 قتيلًا إيرانيًّا. ومن الجانبِ الإسرائيليّ، أعلنتْ تل أبيب عن مقتلِ 24 شخصًا وإصابةِ 804 آخرين.

 الدّعمِ غيرِ المباشرِ والتّدخّلِ المحتمل

من النّاحيةِ الاستراتيجيّة، تُعدّ هذه المواجهةُ نقطةَ تحوّلٍ في الصّراعِ الإقليمي، حيثُ انتقلَ من حربِ الوكلاءِ إلى مواجهةٍ مباشرةٍ بين القوّتَين الرّئيسيتَين في المنطقة. هذا التّطوّرُ يحملُ في طيّاته مخاطرَ تصعيدٍ أكبرَ قد يجرُّ قوىً إقليميّةً ودوليّةً أخرى إلى الصّراع.

شهدتِ الأيامُ الأخيرةُ تصعيدًا ملحوظًا في الخطابِ الأميركيّ تجاهَ إيران، حيثُ أصدرَ الرئيسُ ترامب تصريحاتٍ قويةً تُشيرُ إلى احتماليّةِ تدخّلٍ عسكريٍّ مباشر. في تصريحاتهِ قال ترامب: “نَعلمُ تمامًا مكانَ اختباءِ ما يُسمّى بـ’المرشدِ الأعلى’، إنّه هدفٌ سهل، ولكنّه آمنٌ هناك – لن نقضي عليه، على الأقلّ ليسَ في الوقتِ الحالي، لكنّنا لا نريدُ إطلاقَ صواريخَ على المدنيّين أو الجنودِ الأميركيين. صبرُنا ينفد”.

هذه التّصريحاتُ تُمثّلُ تحوّلًا في النّبرةِ الأميركيّةِ من الحذرِ إلى التّهديدِ المباشر، وتُشيرُ إلى أنّ الإدارةَ الأميركيّةَ تدرسُ بجدّيةٍ خيارَ التّدخّلِ العسكريّ. كما أنّ وصفَ خامنئي بأنّه “هدفٌ سهل” يحملُ دلالاتٍ تهديديّةً واضحةً قد تكونُ مقدّمةً لعملٍ عسكريّ.

الاستعداداتُ العسكريّةُ الأميركيّة

تشيرُ التّقاريرُ إلى أنّ الولاياتِ المتحدةَ تقومُ بتحضيراتٍ عسكريّةٍ مكثّفةٍ في المنطقة، حيثُ أرسلتْ إشاراتٍ للأميركيين المقيمين في القواعدِ العسكريّةِ بالخليجِ العربيّ، مثل البحرين وغيرها، بضرورةِ المغادرة. كما أصدرتْ وزارةُ الخارجيّةِ الأميركيّة أوامرَ لأهالي العاملين في السّفارةِ العراقيّةِ والعاملين غيرِ الأساسيين فيها بمغادرةِ العراق.

هذه الإجراءاتُ تُظهر أنّ الولاياتِ المتحدةَ تستعدُّ لسيناريو تصعيدٍ كبيرٍ قد يشملُ استهدافَ المصالحِ الأميركيّةِ في المنطقة. كما تمّ رصدُ حركةِ طائراتٍ عسكريّةٍ أميركيّةٍ إلى أوروبا، ممّا أثارَ تساؤلاتٍ حولَ ما إذا كانَ ذلك تمهيدًا لضربةٍ ضدّ إيران.

الدّعمُ الحالي

على الرغمِ من عدمِ الإعلانِ عن تدخّلٍ عسكريٍّ مباشر، تُشاركُ الولاياتُ المتحدةُ في الصّراعِ بشكلٍ غيرِ مباشرٍ من خلالِ عدّةِ قنوات. تشملُ هذه المشاركةُ تبادلَ المعلوماتِ الاستخباراتيةِ مع إسرائيل، والتّنسيقَ اللوجستي، والعملياتِ السيبرانية، والدّعمَ السريَّ للضّرباتِ الإسرائيليّة. كما تُساهمُ السّفنُ الحربيّةُ الأميركيّةُ وطائراتُها ومنصّاتُ الصواريخِ المضادّةِ للصواريخِ المنصوبةِ في إسرائيلَ ومواقعَ أخرى في الشّرقِ الأوسط، في الدفاعِ عن إسرائيل.

هذا الدّعمُ غيرُ المباشرِ يضعُ الولاياتِ المتحدةَ فعلًا كطرفٍ في الصّراع، وإن لم تُعلنْ ذلك رسميًّا. وقد يكونُ هذا الدّعمُ كافيًا لتبريرِ ردٍّ إيرانيٍّ ضدّ المصالحِ الأميركيّة، ممّا قد يجرُّ واشنطن إلى مواجهةٍ مباشرة.

separator

الرّأيُ العامُّ الأميركي

تشيرُ استطلاعاتُ الرأي الحديثةُ، التي أجرتها شركةُ "يو غوف"، إلى أنّ الرأيَ العامَّ الأميركيَّ لا يُؤيّدُ التّدخّلَ العسكريّ في الصّراعِ الإيرانيّ-الإسرائيلي. فقط 16٪ من الأميركيين يؤيّدونَ تدخّلَ الولاياتِ المتحدةِ في الحرب، بينما يُعارضُ 60٪ ذلك. حتّى بين الجمهوريّين، الذين ينتمي إليهم ترامب، فإنّ 23٪ فقط يؤيّدون التّدخّلَ العسكريّ، بينما يُعارضُه 51٪. هذه الأرقامُ تُشيرُ إلى أنّ أيَّ قرارٍ بالتّدخّلِ العسكريّ سيواجهُ معارضةً شعبيّةً كبيرة، ممّا قد يُؤثّرُ على الحساباتِ السّياسيّةِ للإدارةِ الأميركيّة. في المقابل، يُؤيّدُ 61٪ من الجمهوريين التّفاوضَ مع إيران حولَ برنامجها النّووي، ممّا يُشيرُ إلى تفضيلِ الحلولِ الدبلوماسيّةِ على العسكريّة.

يلعبُ اللّوبي الإسرائيليّ في الولاياتِ المتحدةِ دورًا مهمًّا في الضّغطِ من أجلِ التّدخّلِ العسكريّ. أيُّ مشروعِ قانونٍ لصالحِ إسرائيل يُمرَّرُ بنسبة 99.9٪ في الكونغرس الأميركيّ، وهناك تمويلاتٌ ضخمةٌ من داعمينَ صهاينة دعمتْ حملةَ ترامب مقابلَ ضماناتٍ باستمرارِ الدّعمِ غير المشروطِ لإسرائيل

التّجربةُ العراقيّة

يلعبُ تاريخُ التّدخّلِ الأميركيِّ في العراق عامَ 2003 دورًا مهمًّا في تشكيلِ الرّأيِ العامِّ الأميركيِّ تجاهَ أيّ تدخّلٍ عسكريٍّ جديدٍ في المنطقة. لا يزالُ الأميركيّونَ يذكرونَ التّجربةَ السلبيّةَ للحربِ العراقيّة، وكذبَ الادّعاءاتِ حولَ أسلحةِ الدّمارِ الشّاملِ، والتّكاليفِ الباهظةِ لتلك الحرب على الصّعيدَيْن البشريّ والماليّ.

هذه الذّاكرةُ التّاريخيّةُ تجعلُ الأميركيّينَ أكثرَ حذرًا من أيّ مغامرةٍ عسكريّةٍ جديدة، خاصّةً عندما تكونُ مبرّرةً بادّعاءاتٍ حولَ أسلحةِ الدّمارِ الشّامل. وقد عبّرتْ مديرةُ الاستخباراتِ الوطنيّة، تولسي غابارد، عن هذا الحذر بقولها: “تقييماتُ الاستخباراتِ تُفيدُ بأنّ طهران لا تعملُ على تطويرِ سلاحٍ نوويّ، وأنّ المرشدَ الأعلى خامنئي لم يُوافقْ على استئنافِ برنامجِ الأسلحةِ النّوويةِ الذي تمّ تعليقه منذ عام 2003”.

السّيناريوهاتُ المتوقَّعة

السيناريو الأول: التّدخّلُ العسكريُّ المحدود

في هذا السّيناريو، تقومُ الولاياتُ المتحدةُ بتدخّلٍ عسكريٍّ محدودٍ يركّزُ على أهدافٍ محدّدةٍ دونَ الانجرارِ إلى حربٍ شاملة. قد يشملُ هذا التّدخّلُ ضرباتٍ جويّةً دقيقةً ضدّ المنشآتِ النّوويّةِ الإيرانيّة، خاصّةً منشأةَ “فوردو” العميقة، التي تحتاجُ إلى القنابلِ الأميركيّةِ الخارقةِ للتحصينات من نوع GBU-57 لتدميرِها.

الخصائصُ المتوقّعة لهذا السّيناريو:

ضرباتٌ جويّةٌ خاطفةٌ ومركّزةٌ وعاليةُ الدّقّة باستخدامِ أحدثِ الأسلحةِ الأميركيّة؛

استهدافُ البنيةِ التّحتيّةِ النّوويّةِ والعسكريّةِ الإيرانيّةِ الحيويّة؛

تجنّبُ الأهدافِ المدنيّةِ لتقليلِ الخسائرِ البشريّة؛

مدّةٌ زمنيّةٌ محدودةٌ للعمليّاتِ لتجنّبِ التورّطِ في حربٍ طويلة.

التّداعياتُ المحتملة:
ستعتبرُ إيرانُ أيَّ ضربةٍ أميركيّةٍ، مهما كانتْ محدودة، بمثابةِ إعلانِ حرب، وستقومُ بتوسيعِ نطاقِ ردّها ليشملَ المصالحَ الأميركيّةَ في المنطقة. قد تستهدفُ القواعدَ العسكريّةَ الأميركيّةَ في الخليج، والبعثاتِ الدبلوماسيّة، ومعسكراتِ القوّاتِ الخاصّةِ في العراق. كما قد تُفعّلُ شبكةَ حلفائها الإقليميّين، بما في ذلك الميليشياتُ المواليةُ لها في العراق وسوريا.

السيناريو الثاني: الحربُ الشّاملة

في حالِ فشلِ السّيناريو الأوّل في تحقيقِ أهدافه، أو في حالِ تصاعدِ الرّدِّ الإيراني، قد تجدُ الولاياتُ المتحدةُ نفسَها منجرّةً إلى حربٍ شاملةٍ مع إيران، وهذا يُمثّلُ أسوأَ الاحتمالاتِ وأكثرَها تدميرًا.

خصائصُ الحربِ الشّاملة:

استخدامٌ كاملٌ للقوّةِ العسكريّةِ الأميركيّة، بما في ذلك القوّاتُ البريّة؛

استهدافٌ شاملٌ للبنيةِ التحتيّةِ الإيرانيّة؛

محاولةُ تغييرِ النّظامِ في طهران؛

إشراكُ حلفاءَ إقليميّين ودوليّين في الصّراع.

الرّدُّ الإيرانيُّ المتوقّع:
في حالِ دخولِ أميركا الحربَ بشكلٍ شامل، فإنّ إيرانَ لن تُقاتلَ في الميدان فقط، بل ستنقلُ الحربَ إلى كافّةِ الجبهات: اقتصاديًّا، وعسكريًّا، وسيبرانيًّا، معتمدةً على عقيدةِ الرّدعِ والدّمارِ المتبادل. قد ترفعُ إيرانُ “الخطوطَ الحمراء”، وتُقدِمُ على:

استخدامِ صواريخَ دقيقةٍ لضربِ منشآتٍ نوويّةٍ أو حيويّةٍ في إسرائيل؛

إغلاقِ مضيقِ هرمز وتعطيلِ حركةِ النّفطِ العالميّة؛

تفعيلِ شبكةِ الوكلاءِ في المنطقةِ لاستهدافِ المصالحِ الأميركيّةِ والإسرائيليّة؛

شنِّ هجماتٍ سيبرانيّةٍ واسعةِ النّطاقِ ضدّ البنيةِ التحتيّةِ الأميركيّةِ والإسرائيليّة

السّيناريو الثالث: التّدخّلُ التّدريجي

هذا السّيناريو يفترضُ تدخّلًا أميركيًّا تدريجيًّا، يبدأُ بزيادةِ الدّعمِ العسكريِّ واللوجستيِّ لإسرائيل، ثمّ يتطوّرُ تدريجيًّا إلى مشاركةٍ مباشرةٍ في العملياتِ العسكريّة.

مراحلُ التّدخّلِ التّدريجي:

زيادةُ الدّعمِ الاستخباراتيّ والتّقنيّ لإسرائيل؛

نشرُ أنظمةِ دفاعٍ جوّيٍّ أميركيّةٍ متقدّمةٍ في إسرائيل؛

مشاركةٌ في العمليّاتِ الدفاعيّةِ ضدّ الصّواريخِ الإيرانيّة؛

تنفيذُ ضرباتٍ محدودةٍ ضدّ أهدافٍ إيرانيّةٍ معيّنة؛

توسيعُ نطاقِ العمليّاتِ تدريجيًّا، حسب تطوّرِ الموقف.

يُتيحُ هذا السّيناريو للولاياتِ المتّحدةِ مرونةً أكبرَ في التّحكّمِ بمستوى التّصعيد، لكنّه قد يؤدّي إلى انجرارٍ تدريجيٍّ إلى صراعٍ أوسعَ دونَ قرارٍ واضحٍ بذلك.

التّداعياتُ الجيوسياسيّة

دخولُ الولاياتِ المتحدةِ الحربَ إلى جانبِ إسرائيل سيؤدّي إلى إعادةِ تشكيلٍ جذريّةٍ للتحالفاتِ الإقليميّة. دولُ الخليجِ العربيّ ستجدُ نفسَها في موقفٍ حرج، حيثُ تخشى من الانزلاقِ إلى أتونِ الصّراعِ رغمَ علاقاتها الوثيقةِ مع الولاياتِ المتحدة. هذه الدّولُ تستضيفُ قواعدَ عسكريّةً أميركيّة، وقد ساعدتْ سرًّا في الدفاعِ عن إسرائيل من الهجماتِ الإيرانيّةِ السّابقة.

إذا استهدفتْ إيرانُ دولَ الخليجِ انتقامًا لدعمها أعداءها، فقد تُطالبُ هذه الدّولُ بدورها بتدخّلِ الطّائراتِ الحربيّةِ الأميركيّة للدّفاعِ عنها، ممّا يُوسّعُ نطاقَ الصّراعِ ليشملَ المنطقةَ بأكملها. كما أنّ استهدافَ منشآتِ الطّاقةِ في الخليج قد يؤدّي إلى أزمةِ طاقةٍ عالميّة.


الموقفُ الرّوسيُّ والصّيني

رغمَ توقيعِ روسيا معاهدةَ تعاونٍ استراتيجيّةٍ مع إيران في نيسان/أبريل 2025، إلا أنّ موسكو لم تُعبّرْ حتّى الآن عن نيّةٍ واضحةٍ للتّدخّلِ عسكريًّا لصالحِ حليفتها. نائبُ وزيرِ الخارجيّةِ الرّوسيّ، أندريه رودينكو، أوضحَ أنّ “توقيعَ المعاهدةِ لا يعني إنشاءَ تحالفٍ عسكريٍّ مع إيران أو تقديمَ مساعدةٍ عسكريّةٍ متبادلة”.

لكنّ دخولَ أميركا الحرب قد يُغيّرُ هذا الموقف، حيثُ حذّرتْ روسيا أميركا من “مجردِ التّفكيرِ في مواجهةِ إيران عسكريًّا”. في حالِ التّدخّلِ الأميركيّ، قد تُقدّمُ روسيا دعمًا عسكريًّا وتقنيًّا لإيران، بما في ذلك أنظمةُ دفاعٍ جويٍّ متقدّمةٌ وخبراءُ عسكريّون، ممّا قد يُؤدّي إلى مواجهةٍ غيرِ مباشرةٍ بين القوّتَيْن النّوويتَيْن.

الصّينُ، من جهتها، تدعو للحوارِ وتجنّبِ التّصعيد، لكنّها أيضًا حذّرتْ من التّدخّلِ الأميركيّ. الصّين تستهلكُ حوالي 1.8 مليون برميل يوميًّا من النّفطِ الإيرانيّ، وأيُّ تعطيلٍ لهذه الإمداداتِ سيُؤثّرُ على اقتصادِها. قد تجدُ بكينُ نفسَها مضطرّةً لاتّخاذِ موقفٍ أكثرَ حزمًا لحمايةِ مصالحِها الاقتصاديّة.


النّظامُ الدّوليّ

دخولُ أميركا حربًا شاملةً ضدّ إيران قد يُمثّلُ نقطةَ تحوّلٍ في النّظامِ الدّوليّ، حيثُ قد يُؤدّي إلى تشكيلِ محورَيْن متضادَّيْن: محورٌ أميركيّ-إسرائيليّ-خليجيّ، مقابل محورٍ إيرانيّ-روسيّ-صينيّ. هذا التّقسيمُ قد يُعيدُ إحياءَ ديناميكيّاتِ الحربِ الباردة، على نطاقٍ إقليميٍّ وعالميّ.

كما أنّ استخدامَ القوّةِ العسكريّةِ الأميركيّةِ ضدّ إيران دونَ تفويضٍ من مجلسِ الأمن الدّوليّ قد يُضعفُ مبدأَ سيادةِ القانونِ الدّوليّ، ويُشجّعُ قوىً أخرى على اللجوءِ إلى القوّةِ لحلِّ نزاعاتِها.


تأثيرُ الحربِ على أسواقِ الطّاقةِ العالميّة

دخولُ أميركا الحرب ضدّ إيران سيكونُ له تأثيرٌ كارثيٌّ على أسواقِ الطّاقةِ العالميّة. إيران تُنتجُ حوالي 3.8 مليون برميل نفط يوميًّا، وتُصدّر حوالي 1.3 مليون، كما تتحكّمُ في مضيقِ هرمز، الذي يمرُّ عبرَه حوالي 21٪ من إنتاجِ النّفطِ العالميّ. في حالِ إغلاقِ المضيق، أو تعطيلِ الإنتاجِ الإيرانيّ، قد ترتفعُ أسعارُ النّفط إلى مستوياتٍ قياسيّة تتجاوز 150 دولارًا للبرميل.

سيُؤدّي هذا الارتفاعُ إلى موجةِ تضخّمٍ عالميّةٍ قد تدفعُ الاقتصادَ العالميَّ إلى رُكود. الدّولُ النّاميةُ ستكونُ الأكثرَ تضرّرًا، حيثُ قد تُواجهُ أزماتٍ اقتصاديّةً حادّةً بسببِ ارتفاعِ تكاليفِ الطّاقةِ والنّقل.


تكاليفُ الحرب

تشيرُ التّقديراتُ إلى أنّ حربًا شاملةً ضدّ إيران قد تُكلّفُ الولاياتِ المتحدةَ مئاتِ الملياراتِ من الدّولارات. الحربُ العراقيّةُ كلّفتْ أميركا أكثرَ من 2 تريليون دولار على مدى عقدَيْن، وحربٌ مع إيران، التي تمتلكُ قدراتٍ عسكريّةً أكبرَ وجغرافيا أكثرَ تعقيدًا، قد تكونُ أكثرَ تكلفة.

هذه التّكاليفُ الباهظةُ ستُؤثّرُ على الاقتصادِ الأميركيّ، في وقتٍ تُواجهُ فيه البلادُ تحدّياتٍ اقتصاديّةً داخليّة، بما في ذلك عجزُ الميزانيّة والدّينُ العامُّ المتزايد. كما أنّ الحربَ قد تُؤدّي إلى تحويلِ المواردِ من الاستثمارِ في البُنيةِ التّحتيّة والتّعليم والصّحة إلى الإنفاقِ العسكريّ.

الأسواقُ الماليّة

ستشهدُ الأسواقُ الماليّةُ العالميّةُ اضطرابًا كبيرًا في حالِ دخولِ أميركا الحرب. أسواقُ الأسهمِ قد تشهدُ انهيارًا حادًّا، خاصّةً في قطاعاتِ الطّيرانِ والسّياحةِ والتّجارةِ الدّوليّة. في المقابل، قد ترتفعُ أسعارُ الذّهبِ والمعادنِ الثّمينة كملاذٍ آمنٍ للمستثمرين.

العملاتُ النّاشئةُ قد تشهدُ انخفاضًا حادًّا مقابلَ الدّولار، ممّا يزيدُ من أعباءِ الدّيونِ الخارجيّةِ للدّولِ النّامية. كما أنّ تدفّقاتِ رؤوسِ الأموالِ قد تتّجهُ نحو الأصولِ الآمنةِ في الدّولِ المتقدّمة، ممّا يَحرِمُ الأسواقَ النّاشئةَ من الاستثماراتِ الأجنبيّة.


تغييرُ موازينِ القوى الإقليميّة

دخولُ أميركا الحرب سيُؤدّي إلى تغييرٍ جذريٍّ في موازينِ القوى العسكريّةِ في المنطقة. إذا نجحتِ الضّرباتُ الأميركيّةُ في تدميرِ القدراتِ النّوويّةِ والصّاروخيّةِ الإيرانيّة، فإنّ ذلك سيُضعفُ بشكلٍ كبيرٍ النّفوذَ الإيرانيَّ في المنطقة، ويُقوّي موقفَ إسرائيلَ ودولِ الخليج.

لكنْ إذا فشلتْ هذه الضّرباتُ في تحقيقِ أهدافِها، أو إذا نجحتْ إيرانُ في إلحاقِ أضرارٍ كبيرةٍ بإسرائيلَ والمصالحِ الأميركيّة، فإنّ ذلك قد يُعزّزُ مكانةَ إيرانَ كقوّةٍ إقليميّةٍ لا يُمكنُ تجاهلُها. كما أنّ الحربَ قد تُؤدّي إلى تسارعِ البرنامجِ النّوويّ الإيرانيّ إذا اقتنعتِ القيادةُ في طهران بأنّ السّلاحَ النّوويّ هو الضّمانةُ الوحيدةُ لبقائِها.


التّصعيدُ الإقليميّ وتهديدُ الميليشيات

قد تُؤدّي الحربُ ضدّ إيران إلى موجةٍ جديدةٍ من الإرهابِ والتطرّفِ في المنطقة. الجماعاتُ المتطرّفةُ قد تستغلُّ الفوضى النّاتجةَ عن الحربِ لتوسيعِ نفوذِها وتجنيدِ مقاتلينَ جُدد. كما أنّ استهدافَ المدنيّينَ الإيرانيّين قد يُؤدّي إلى ردودِ فعلٍ انتقاميّةٍ ضدّ المصالحِ الأميركيّةِ والغربيّةِ في أنحاءِ العالم.

الميليشياتُ المواليةُ لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن قد تشنُّ هجماتٍ انتقاميّةً ضدّ القوّاتِ الأميركيّةِ والمصالحِ الغربيّة. هذا التّصعيدُ قد يُؤدّي إلى عدمِ استقرارٍ طويلِ الأمدِ في المنطقة، حتّى بعد انتهاء الحربِ الرّئيسيّة.


سباقُ التّسلّح

قد يُؤدّي دخولُ أميركا الحرب ضدّ إيران إلى سباقِ تسلّحٍ إقليميٍّ جديد. الدّولُ العربيّةُ قد تسعى لتطويرِ قدراتِها العسكريّة، بما في ذلك البرامجُ النّوويّةُ السّلميّة، التي قد تتحوّلُ إلى برامجَ عسكريّةٍ في المستقبل. تركيا وباكستان قد تُعيدانِ النّظرَ في سياساتِهما النّوويّة، بينما قد تسعى دولٌ أخرى للحصولِ على ضماناتٍ أمنيّةٍ من القوى الكبرى.


السّيناريوهاتُ التي قد تدفعُ أميركا للتّدخّل

حدّدتِ المحلّلةُ الأميركيّةُ “إيرينا توسكرمان” خمسةَ سيناريوهاتٍ قد تدفعُ الولاياتَ المتحدةَ إلى التّدخّلِ العسكريّ المباشر:

هجومٌ إيرانيٌّ على قواعدَ أو قوّاتٍ أميركيّة: أيُّ استهدافٍ مباشرٍ للوجودِ العسكريِّ الأميركيّ في المنطقة سيُؤدّي حتمًا إلى ردٍّ عسكريٍّ أميركيّ.

استخدامُ حزبِ الله أو الوكلاءِ الإيرانيّين لأسلحةٍ متقدّمة: إذا استخدمتِ الميليشياتُ المواليةُ لإيران أسلحةً كيميائيّةً أو بيولوجيّةً أو صواريخَ دقيقةً ضدّ أهدافٍ مدنيّة.

تهديدُ إيران بإغلاقِ مضيقِ هرمز: أيُّ محاولةٍ لتعطيلِ حركةِ النّفطِ العالميّة ستُعتَبرُ خطًّا أحمر أميركيًّا.

تطويرُ إيرانَ لسلاحٍ نوويّ: إذا أعلنتْ إيران امتلاكَها سلاحًا نوويًّا أو اقترَبَتْ من تحقيقِ ذلك.

انهيارُ الرّدعِ الإسرائيليّ: إذا فشلتْ إسرائيل في الدّفاعِ عن نفسِها وطلبتْ تدخّلًا أميركيًّا مباشرًا.


 

يمثّلُ دخولُ الولاياتِ المتحدةِ الحربَ إلى جانبِ إسرائيلَ ضدّ إيران سيناريو عاليَ المخاطر، قد يُؤدّي إلى تداعياتٍ كارثيّةٍ على المستويَيْن الإقليميِّ والعالميّ. ورغمَ أنّ الرّأيَ العامَّ الأميركيَّ يُعارضُ التّدخّلَ العسكريَّ، إلا أنّ عدّةَ عواملَ قد تدفعُ الإدارةَ الأميركيّةَ لاتّخاذِ هذا القرار، بما في ذلك ضغوطُ اللّوبي الإسرائيليّ، والتزاماتٌ أمنيّةٌ تجاهَ إسرائيل، والرّغبةُ في منعِ إيرانَ من امتلاكِ سلاحٍ نوويّ. في النّهاية، قرارُ دخولِ أميركا الحرب سيعتمدُ على تطوّرِ الأحداثِ في الأيامِ والأسابيعِ القادمة، ومدى قدرةِ إسرائيل على مواجهةِ إيران بمفردِها، ومدى تأثيرِ الضّغوطِ الدّاخليّةِ والخارجيّةِ على الإدارةِ الأميركيّة. وما هو مؤكَّدٌ أنَّ أيَّ تدخّلٍ أميركيٍّ سيُغيّرُ وجهَ المنطقةِ والعالمِ لسنواتٍ قادمة.
al-Post
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا