تحميل

إبحث

في الصميم

معمل النفايات… الاستمرار بسياسة “شراء الوقت”

waste_facility_deteriorated

قبل نحو أسبوع، نُشر تقريرٌ جديد حول وضع “معمل معالجة النفايات” في مدينة صيدا، وُصف بأنّه تقريرٌ دوريّ يعكس “تقدّم العمل” في المعمل. لكنّ من يقرأ هذا التقرير، لا بدّ أن يلاحظ اللغة التي كُتب بها، وكأنّه نصّ إنشائيّ عربيّ تقليديّ، غايته كسب الوقت، عبر الإيحاء بالتزام الشركة المنفّذة بتعهّداتها تجاه تطوير المعمل في مختلف الميادين

التقرير أشار إلى أنّه يأتي في سياق “التزام إدارة المعمل بالشراكة مع اتحاد بلديات صيدا – الزهراني والمجتمع المدني”. عبارة تُثير الدهشة. فهل يعني ذلك أن الاتحاد شريكٌ في تقاعس الإدارة عن العمل المنتظم منذ عام 2021؟ وعن أي “مجتمع مدني” يدور الحديث؟

وهنا يُطرح سؤالٌ موجّهٌ إلى من شاركوا في اللجنة التي شكّلها رئيس البلدية السابق، حازم بديع: هل يوافقون على مفهوم “الشراكة” كما ورد في التقرير؟ وهل حصلوا فعلًا على كلّ المعلومات التي كانوا يطلبونها؟ المؤكد أنّ معظم تساؤلاتهم بقيت بلا أجوبة، كما أشارت تقارير تلك اللجنة نفسها. كان الأعضاء يطلبون بيانات تفصيلية، فيما كانت إدارة المعمل تردّ بإجاباتٍ عامةٍ فضفاضةٍ تتجاهل التفاصيل الجوهرية.

تساؤلات من خارج النص

يكتفي التقرير بعرض نسبٍ عامّة حول “النشاط المتنوّع” لإدارة المعمل. لكن ذلك لا يمنع من طرح أسئلة جوهرية:
إذا كان المركز يستوعب كامل كميات النفايات الواردة، ويُعالجها بنسبة 100% كما يزعم التقرير، فلماذا لا تزال شاحنات متعهّد خاص تنقل النفايات من باحة المركز إلى “جبال النفايات” الجديدة؟ علماً أن هذا النشاط يتمّ في وضح النهار، ويمكن لأيّ عابر قرب المعمل ملاحظته.

وفيما يخصّ التسبيخ والمعالجة:

هل جرى إصلاح الهاضمين اللاهوائيين؟ وهل أصبحا يعملان فعلًا؟

هل بدأ المعمل بإنتاج السماد؟ وهل أُجريت فحوص مخبرية عليه؟

لمن يُباع هذا السماد؟ وما هي ردود فعل الزبائن عليه؟وماذا عن المياه المبتذلة الناتجة عن المعالجة؟ هل لا تزال تُرمى في البحر كما كان الحال سابقًا؟

ثمّة أيضًا سؤالٌ حول “المعدات الجديدة” التي تقول الإدارة إنّها اشترتها مؤخرًا: أليست هي نفسها التي أُعلن عن شرائها في تقارير العام الماضي؟

التقرير يضحكنا ويبكينا
في ذروة التناقض، يؤكّد التقرير أن إدارة المركز “تتعهد بمعالجة النفايات المتراكمة”. لكن متى؟ وكيف؟ لا إجابات.
ثم، هل يعمل المعمل اليوم كما كان قبل 2021؟
في تلك المرحلة، كانت ساعات التشغيل طويلة نسبيًّا لمعالجة الكميات الواردة. أما اليوم، فالمعمل يعمل بوتيرة محدودة، ومع ذلك يقول إنّه يُنجز عمله بالكامل!
كان عدد العاملين نحو 450 عاملاً، أما الآن فلا يتجاوز المئة… فكيف يستقيم ذلك؟

بلدية جديدة… مسؤوليات مستعجلة
يشير التقرير إلى أن تاريخه يعود إلى 23 أيار 2025، أي قبل يومٍ واحد من الانتخابات البلدية الأخيرة. ما يعني أن مهمة مراقبة المعمل ومحاسبته باتت على عاتق المجلس البلدي الجديد، وعليه أن يُسارع إلى تشكيل لجنة مختصّة بمتابعة هذا الملف، لا سيّما أن إدارة المعمل لم تلتزم بأيّ تعهّد فعليّ منذ إعلانها خططًا “افتراضية” في مطلع 2024.

السؤال: هل يجب إعادة مراجعة هذه “الخطط” التي لم يُنفَّذ منها شيء؟ وهل تستمر الإدارة في بيع الأوهام من دون حسيب أو رقيب؟

ملف المعمل كان بندًا أساسيًّا في كلّ البرامج الانتخابية للوائح المتنافسة. فهل يُسارع المجلس الجديد إلى التحرّك الجاد؟ وهل يفتح ملف التزام الشركة المشغّلة ببنود العقد الموقع مع بلدية صيدا؟

أين وزارة البيئة؟
من جهةٍ أخرى، يبدو أن وزارة البيئة في عالمٍ آخر. فوزيرة البيئة الجديدة، تمارا الزين، لم تُبدِ حتى الآن أيّ اهتمام حقيقيّ، سوى إبداء رغبتها في “الحصول على معلومات” حول الوضع.
لكن هل تعلم الوزيرة أنّ هناك تقريرًا فنيًّا مفصّلًا أعدّه الخبير البيئي الدكتور فاروق المرعبي مطلع عام 2023، بناءً على طلب الوزارة نفسها؟
هذا التقرير تضمّن تشخيصًا دقيقًا لمكامن الخلل، واقتراحات واضحة للحلول. ورغم ذلك، لم يُناقشه المجلس البلدي السابق يومًا، ولا يبدو أن إدارة المعمل أولته أيّ اهتمام.

إذا كانت الوزيرة الزين جادّة فعلًا، فعليها أن تقوم بكشفٍ مباشر على المعمل. فهي خبيرة في هذا المجال، ومن واجبها أن تفتح حوارًا مباشرًا مع المجلس البلدي، واتحاد البلديات، وممثلي المجتمع المدني، لمساءلة الإدارة حول التزاماتها وخططها.

 

من يشارك في الجريمة الصامتة؟ بعد تزايد التأثيرات السلبيّة لجبال النفايات على صيدا والبلدات المحيطة، فإنّ اتحاد البلديات وكلّ بلدية معنية أمام مسؤولية مباشرة: إمّا النقاش وطرح البديل، وإمّا الوقوف موقف الشريك الصامت في جريمةٍ مستمرّة. فعدم البحث عن بديل يعني عمليًّا المشاركة في هدر المال العام، عبر التغطية على ما يجري داخل المعمل: نفايات تُستقبل، لا تُعالج، ويُقبض ثمن معالجتها... من جيب الناس.
جريدة البوست
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا