السير في طريق التغيير


حلم لم يبصر الضوء (العدسة الذكية)
نشأتُ في لبنان، في بلدٍ يتّسم بالاضطرابات السياسيّة، وعدم اليقين الاقتصادي، والصدمات بين الأجيال، تطوّر لديّ حسٌّ حادٌّ بالظلم الذي يُحيط بي.
كنتُ أُدرك منذ سنٍّ مبكرةٍ أنّ الصمت أمام عدم المساواة ليس موقفًا غير فعّال؛ بل هو جزءٌ من المشكلة ذاتها.
لم أكتسب هذا الوعي من خلال التعليم التقليديّ الذي تلقّيتُه، بل تمّ تحقيقه من خلال الملاحظة، والاستماع، والتنقّل ضمن نظامٍ يميل إلى إسكات أعضائه الأكثر اضطهادًا.
تربيتي، التي تتّسم بالتعاطف، والرّهبة، والرّغبة في فَهم المعاناة، جعلتْ منّي اليوم ناشطًا اجتماعيًّا مُلتزمًا بلا تردّد بالنضال من أجل التغيير.
الولادة
لم أبدأ كناشط. بدأتُ كشخصٍ يتمتّع بالحدس.
سواء كنتُ أعمل كمتطوّعٍ لمؤسّساتٍ غير حكوميّةٍ محلّيّة، أو أُساعد عائلاتٍ مُهجّرة، أو أُقدّم صوتًا لمن لا صوت له، كنتُ مدفوعًا بالتعاطف، وبعجزٍ عن تجاهل الألم الذي يُحيط بي.
مع مرور الوقت، نما هدفي مع نُمُوي. أصبحتُ أكثر وعيًا وهدفًا في عملي.
أسّستُ مركز الفنون “أوتوبيا”، وهو مشروعٌ يهدف إلى استخدام الفنّ والتعبير الإبداعي لتحدّي الأعراف الاجتماعيّة، والمساعدة في الشفاء، وخلق حوارات.
ثم أطلقتُ حملة “كسر الصمت”، وهي حركةٌ وُلدت من تجارب شخصيّة وجماعيّة تتعلّق بالصحة النفسيّة، خاصّة في بلدٍ لا يزال الوصم حولها قائمًا بقوّة.
كوني جزءًا من عمل العدالة الاجتماعيّة، كان هذا من أكثر التجارب حيويّةً التي مررتُ بها على الإطلاق. ومع ذلك، لم يكن ذلك بدون ثمن.
علّمني العمل الاجتماعي شخصيًّا الصمود، والتعاطف، والتفكير الاستراتيجي.
لكنه تطلّب أيضًا تضحياتٍ من حيث الوقت، والطاقة، وأحيانًا الرفاهية العاطفيّة.
هناك تحدّياتٌ مثل المقاومة المؤسّساتيّة، والإرهاق، ونقص التمويل، وأحيانًا اللامبالاة العامّة.
مررتُ بلحظاتٍ شعرتُ فيها أن عملي غير مرئيّ، وغير مُجزٍ، وحتّى موضع تساؤل.
لكن الانتصارات، مهما كانت صغيرة، تفوق كلّ شيءٍ آخر.
من مساعدة شخصٍ شابٍّ على التعبير عمّا في داخله، للمرّة الأولى، إلى رؤية تحوّلاتٍ في نظرة المجتمعات، كلّ تلك اللحظات تُغذّي شغفي.
لقد كانت هناك أحداثٌ لم تسرْ كما هو مُخطّط لها من البداية، ومبادراتٌ لم تكتسب الزخم، وأفكارٌ بدت طموحةً جدًّا لبيئتنا الحاليّة.
ومع ذلك، فإنّ الفشل لم يكن دائمًا نهائيًّا؛ بل كان أساسيًّا.
علّمني دروسًا عن كيفيّة التكيّف، وتحسين مهارات الاستماع، وتعزيز النّمو الشخصي.
اليوم، أعمل على عدّة جبهات لتعزيز المبادرات المجتمعيّة، والشباب، والأصوات المُهمّشة.
أستثمر في برامج بناء القدرات التي تُجهّز الناس، خاصّة الجيل القادم، بالقيادة، والذكاء العاطفي، ومهارات المناصرة الابتكاريّة.
هذا الشغف ليس مجرّد عملٍ مهنيّ، بل هو شخصيٌّ أيضًا.
تطوّر نشاطي كناشط لا يتوقّف.
أنا أتعلم باستمرار، وأتلقّى تدريبًا، وأُطوّر طُرُقًا جديدة لتوسيع تأثيري.
تعلّمتُ أنّ التّطوّر كناشطٍ ليس خطًّا أفقيًّا؛ إنّه مرنٌ ومُتصاعد.
المستقبل
وفيما يخص المستقبل، أطمح إلى توسيع عملي إقليميًّا.
أهدف إلى إنشاء فضاءاتٍ تعاونيّة تجمع بين الناشطين، والفنّانين، والمعلّمين عبر الحدود، إذ إنّ التغيير الفعّال يُصنَع من خلال القوّة الجماعيّة، وليس من خلال جهودٍ فرديّة.
على الرغم من كلّ ما نُواجهه على الصعيدين العالميّ والمحليّ، لا أزال مُتفائلًا.
أعتقد أنّ بذور عالمٍ أفضل قد زُرعت بالفعل.
توجد في الحركات الشعبيّة، وفي أصوات الشباب التغييريّ، وفي التغيّرات الصغيرة التي تحدث يوميًّا عندما يختار البشر التّعاطف بدلًا من اللامبالاة.
لكنّ الأمل ليس عديم الفعل. إنّه مسؤوليّة.
يتطلّب العمل، والمُمارسة، والخيال.
عالمٌ مختلفٌ ممكن، ولكن فقط إذا عملْنا معًا على إيجاده.
ضبط البوصلة
العمل في المجال الاجتماعي ليس مهنةً تُضبط الساعة فيها.
إنّه أسلوب حياةٍ تتبنّاه.
له مخاطره، وله فوائده أيضًا: ساعاتٌ طويلة، والتزامٌ عاطفيّ، ومعارضةٌ اجتماعيّة، ولكنّه أيضًا روابطُ عميقة، ولحظاتُ تحوّلٍ حقيقيّة، وإحساسٌ يصعب العثور عليه في العديد من الخيارات الأخرى.
لأيّ شخصٍ يُفكّر في خوض هذه الرحلة، كنْ على وعي:
أنت لستَ بحاجةٍ إلى كلّ الأجوبة لكي تبدأ.
كلّ ما تحتاجه هو أن تهتمّ بما يكفي لاتّخاذ خطوة.
العالم لا يحتاج إلى مزيدٍ من الأشخاص “المثاليّين”.
العالم بحاجةٍ إلى الأشخاص الحاضرين، المُستعدّين للظهور، والتعبير عن رأيهم، والبقاء مُلتزمين حتّى عندما يكون الأمر صعبًا.
*ناشط اجتماعي وحقوقي
إذا كان هناك شيءٌ يجب أن تُعلّمك إيّاه قصّتي؛ فهو هذا: حتّى أدنى فعل مقاومةٍ يمكن أن يُحدِث موجة التغيير الأعظم. فلتتكلّم، وقفْ شامخًا، وابقَ إنسانًا. العالمُ ينتظر منك ذلك