التوك توك… من وسيلة نقل شعبية إلى جدل في لبنان


أصبحت مركبات التوك توك ذات العجلات الثلاث مشهدًا مألوفًا في شوارع العديد من المدن حول العالم، من آسيا إلى أفريقيا وحتى أجزاء من أمريكا اللاتينية. هذه المركبات الصغيرة، التي غالبًا ما تكون اقتصادية وسهلة المناورة في الشوارع المزدحمة، اكتسبت شعبية كبيرة كوسيلة نقل بديلة
لكن كيف بدأت فكرة التوك توك؟ وكيف تطوّرت لتصل إلى ما هي عليه اليوم؟ وما هو واقعها في لبنان، وهل هي وسيلة نقل آمنة أم خطيرة؟
بداية الحكاية
يعود أصل التوك توك إلى مركبة “الريكاشة” اليابانية القديمة، التي كانت تُجرّ يدويًا على عجلتين. تطوّرت الريكاشة من آلة يجرّها الإنسان إلى أخرى مزوّدة بتروس ودواسات كالدراجة، ثم تم تزويدها بمحرك لتصل إلى الشكل المتعارف عليه حاليًا.
كلمة “توك توك” نفسها يُرجّح أنها مستمدة من الصوت الصادر عن محرك المركبة عند تسارعه.
تُعد شركة “باجاج” الهندية من أوائل الشركات التي أنتجت التوك توك، وهي نفس الشركة التي أنتجت دراجات “الفيسبا” التي انتشرت في الثمانينيات. بعد ذلك، بدأت شركات أخرى في تصنيع التوك توك، خاصة في تايلاند حيث يُعرف باسم “توك توك”، وفي الهند باسم “أوتو ريكشا” أو “باجاج”.
بدأ ظهور التوك توك في البلاد العربية بكثرة مع دخول الألفية الثانية، على الرغم من انتشاره في الهند منذ أوائل الستينيات. وقد تطوّر استخدامه من مجرد وسيلة نقل فردية إلى وسيلة نقل متعددة الاستخدامات، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي دفعت الكثيرين للبحث عن بدائل نقل منخفضة التكلفة.
إلى لبنان
قبل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي شهده لبنان عام 2019، لم تكن ظاهرة التوك توك منتشرة بشكل واسع في البلد. ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع أسعار الوقود وتكاليف النقل بشكل كبير، غزا التوك توك الشوارع اللبنانية، وتحول في كثير من المناطق إلى وسيلة نقل أساسية للكثير من المواطنين، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في شبكة النقل العام.
يُعتبر التوك توك حلًّا اقتصاديًا للكثيرين، حيث يقدّم خدمة نقل بتكلفة أقل بكثير من سيارات الأجرة التقليدية. كما أن حجمه الصغير وقدرته على المناورة في الشوارع المزدحمة يجعله وسيلة فعّالة للتنقّل في المدن المكتظة. وقد زاد الطلب عليه بشكل خاص في مناطق مثل النبطية بعد الحرب، لسهولة حركته بين الركام.
تحديات قانونية
مع ذلك، يواجه التوك توك في لبنان تحديات قانونية كبيرة. فوزارة الداخلية اللبنانية أكدت مرارًا أن التوك توك ممنوع للنقل العمومي، ولا يمكن اعتباره وسيلة نقل عامة.
السبب في ذلك هو أن التوك توك يُسجَّل كدراجة نارية ذات ثلاث عجلات، ولا يمكن وضع لوحة عمومية عليه، مما يجعله يعمل خارج الإطار القانوني.
وقد أصدرت الوزارة قرارات بمنع نقل الركاب بواسطة التوك توك، وقامت بإقامة حواجز أمنية لمصادرة الدراجات النارية غير المسجَّلة.
هذا الوضع القانوني غير الواضح يخلق فوضى في قطاع النقل، حيث يعمل سائقو التوك توك غالبًا بدون لوحات تسجيل أو تأمين، مما يثير مخاوف بشأن السلامة العامة والمساءلة في حال وقوع حوادث. ويرى البعض أن الحل يكمن في تنظيم هذا القطاع وتوفير البنية التحتية الملائمة لتشغيله، بدلاً من منعه بشكل كامل.
خطر أم أمان؟
تثير مسألة أمان التوك توك جدلًا واسعًا، فبينما يراه البعض وسيلة نقل عملية واقتصادية، يرى آخرون أنه ينطوي على مخاطر كبيرة، خاصة في ظل غياب التنظيم والقوانين الواضحة.
غياب معايير السلامة: غالبًا ما تفتقر مركبات التوك توك إلى معايير السلامة الأساسية الموجودة في السيارات، مثل أحزمة الأمان والوسائد الهوائية. كما أن تصميمها المفتوح يجعل الركاب أكثر عرضة للإصابات في حال وقوع حوادث.
القيادة المتهوّرة: في كثير من الأحيان، يقود سائقو التوك توك بتهور، ويتجاوزون السرعة المحددة، ولا يلتزمون بقوانين المرور، مما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث.
التهديد الأمني: قد يكون التوك توك هدفًا للسرقة أو الاعتداءات، خاصة عند استخدامه في المناطق غير الآمنة أو في أوقات متأخرة من الليل.
عدم وجود تأمين: بما أن معظم التوك توك يعمل بشكل غير قانوني في لبنان، فإنه لا يوجد تأمين يغطي الركاب أو السائق في حال وقوع حوادث، مما يترك الضحايا بدون تعويض.
صِغر حجم المركبة: حجم التوك توك الصغير يجعله أقل وضوحًا للسائقين الآخرين على الطريق، مما يزيد من خطر الاصطدام، خاصة مع المركبات الأكبر حجمًا.
على الرغم من المخاطر، يمكن أن يكون التوك توك آمنًا إذا تم الالتزام بمعايير السلامة وتطبيق القوانين المنظِّمة له. في بعض الدول، يتم تنظيم استخدام التوك توك بشكل صارم، ويخضع لفحوصات دورية، ويُلزم السائقون بالحصول على تراخيص خاصة. كما أن بعض مركبات التوك توك الحديثة تأتي مزوّدة بميزات أمان إضافية.
واقع لا يمكن تجاهله
في لبنان، يتطلّب تحقيق الأمان في استخدام التوك توك تطبيق القوانين بشكل صارم، وتسجيل المركبات، وإلزام السائقين بالحصول على رخص قيادة مناسبة، وتوفير تأمين إلزامي. كما يجب توعية الركاب بالمخاطر المحتملة، وتشجيعهم على اختيار وسائل النقل الآمنة.
لقد أصبح التوك توك جزءًا لا يتجزأ من المشهد اليومي في لبنان، مدفوعًا بالظروف الاقتصادية الصعبة التي جعلت منه بديلًا ميسور التكلفة للكثيرين. ورغم الفوائد الاقتصادية التي يقدّمها، إلا أن غياب التنظيم القانوني يجعله مصدر قلق كبير فيما يتعلق بالسلامة والأمان.
إن
