تحميل

إبحث

في الصميم

نحوَ لُبنانَ الدِّيمُقرَاطيِّ اللَّاطائفيِّ

Lebanon Puzzle

تَتَسَارَعُ الْأَحْدَاثُ فِي لُبْنَانَ رَبْطًا بِمَا يَجْرِي لَيْسَ فِي الْمِنْطَقَةِ فَحَسْبُ، بَلْ فِي الْعَالَمِ أَيْضًا، فَلُبْنَانُ كَمَا شَبَّهَهُ الرَّاحِلُ زِيَادُ الرَّحْبَانِي فِي مَسْرَحِيَّةِ “نُزُلُ السُّرُورِ” (تَابِعٌ لِحَرَارَةِ بَرَّا)، يَتَأَثَّرُ بِتَقَلُّبَاتِ الْمُنَاخِ السِّيَاسِيِّ فِي الْخَارِجِ، وَيُوجَدُ فِي الدَّاخِلِ مَنْ هُوَ جَاهِزٌ دَائِمًا لِتَنْفِيذٍ يُرْضِي الْأَسْيَادَ، وَكُلٌّ لَهُ أَسْيَادُهُ.

بازل وألتيكو

لُبْنَانُ الَّذِي رُكِّبَ عَلَى طَرِيقَةِ “الْبَازِلِ” (Puzzle)، وَجُمِعَتْ أَطْرَافُهُ غَيْرُ الْمُتَجَانِسَةِ دِينِيًّا وَثَقَافِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا، دُونَ “أَلْتِيكُو” أَصْلِيٍّ يَشُدُّ أَوْصَالَهُ وَيُكْسِبُهُ مَنَاعَةً مِنَ التَّمَزُّقِ وَالتَّشَظِّي، كَانَ عُرْضَةً دَائِمًا لِحُرُوبٍ دَاخِلِيَّةٍ كُلَّ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا عَلَى الْأَقَلِّ، يَمُرُّ بَعْدَهَا بِفَتْرَةِ اسْتِقْرَارٍ نِسْبِيٍّ نَتِيجَةَ تَقَاطُعٍ إِقْلِيمِيٍّ – دَوْلِيٍّ يَنْصَاعُ لَهُ الْمُتَصَارِعُونَ عَلَى السَّاحَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ، دُونَمَا التَّخَلِّي عَنْ مَشَارِيعِهِمُ الَّتِي تُؤَجَّلُ إِلَى حِينٍ بِانْتِظَارِ الْفُرْصَةِ السَّانِحَةِ.

لَمْ يَنْجَحِ اللُّبْنَانِيُّونَ فِي بِنَاءِ وَطَنٍ، بَلْ بَنَوْا – لِلْأَسَفِ – مَزْرَعَةً عَلَى أَسَاسٍ طَائِفِيٍّ، وَبَنَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ وَطَنَهَا الْمُسْتَقِلَّ ضِمْنَ الْوَطَنِ لُبْنَانَ، وَتَمَّ تَكْرِيسُ هَذِهِ الْمَزَارِعِ وَفْقًا لِلْمِيثَاقِ الْوَطَنِيِّ بَيْنَ بِشَارَةَ الْخُورِي وَرِيَاضِ الصُّلْحِ عَامَ 1943، وَأُعِيدَ التَّأْكِيدُ عَلَيْهِ فِي اتِّفَاقِ الطَّائِفِ فِي الْعَامِ 1990. وَلِإِرْضَاءِ الْجَمِيعِ كَانَ الْعُنْوَانُ الْأَبْرَزُ لِلْمُحَاصَصَةِ هُوَ الطَّائِفِيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ، وَهِيَ تُعْتَبَرُ الْعَائِقَ الْأَسَاسِيَّ أَمَامَ بِنَاءِ الْوَطَنِ وَإِقَامَةِ دَوْلَةِ الْقَانُونِ.

في حمى الطوائف

النِّظَامُ الطَّائِفِيُّ فِي لُبْنَانَ، وَالَّذِي حَوَّلَهُ إِلَى “بَيْتٍ بِمَنَازِلَ كَثِيرَةٍ”، لَمْ يُفْسِحِ الْمَجَالَ أَمَامَ تَحْقِيقِ الْمُوَاطَنَةِ، بَلْ كَانَ الِانْتِمَاءُ إِلَى الطَّائِفَةِ وَزَعِيمِهَا السِّيَاسِيِّ أَوِ الدِّينِيِّ أَوْ كِلَيْهِمَا أَقْوَى مِنَ الِانْتِمَاءِ إِلَى الْوَطَنِ. فَالطَّائِفَةُ تُؤَمِّنُ لِأَبْنَائِهَا حِمَايَةً سِيَاسِيَّةً وَدِينِيَّةً مِنَ الْمُسَاءَلَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ تَحْتَ ذَرِيعَةِ “اسْتِهْدَافِ الطَّائِفَةِ”، نَاهِيكَ عَنْ سَعْيِ كُلِّ طَائِفَةٍ لِإِعْمَارِ مَنَاطِقِ تَوَاجُدِهَا وَاسْتِغْلَالِ مَوَارِدِ الدَّوْلَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِإِنْمَاءِ هَذِهِ الْمَنَاطِقِ، مِمَّا أَدَّى إِلَى إِنْمَاءٍ غَيْرِ مُتَوَازِنٍ بَيْنَ الْمَنَاطِقِ، وَبِالتَّالِي انْفِضَاضِ الْعَقْدِ الِاجْتِمَاعِيِّ بَيْنَ الدَّوْلَةِ وَأَبْنَائِهَا. فَلَا يُوجَدُ كِفَايَةٌ فِي الْفُرَصِ، وَلَا مُسَاوَاةٌ فِي الْعَدَالَةِ، مِمَّا سَاهَمَ فِي اتِّسَاعِ الشَّرْخِ بَيْنَ الْمُوَاطِنِ وَالدَّوْلَةِ، وَخَفَتَتِ الْمُوَاطَنَةُ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ.

الْخِطَابُ الطَّائِفِيُّ جَاهِزٌ وَغِبَّ الطَّلَبِ، وَهُوَ الْبِضَاعَةُ الرَّائِجَةُ الَّتِي تَشُدُّ عَصَبَ الْجُمْهُورِ، وَيَتِمُّ اسْتِحْضَارُهُ فِي الْأَزَمَاتِ، أَوْ لِخِدْمَةِ مَشْرُوعٍ سِيَاسِيٍّ، أَوْ لِشَحْذِ الْهِمَمِ فِي مُقَابِلِ الْآخَرِ، وَيَتَسَاوَى فِي هَذَا الْأَمْرِ السِّيَاسِيُّونَ وَرِجَالُ الدِّينِ، فَتُقْرَعُ الْأَجْرَاسُ فِي الْكَنَائِسِ، وَيَصْدَحُ الْأَذَانُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَيُسْتَحْضَرُ التَّارِيخُ بِصُورَتِهِ السَّيِّئَةِ خِدْمَةً لِلْقَضِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا خَرَابُ الْوَطَنِ.

 

إِنَّ قِيَامَ لُبْنَانَ الدِّيمُقْرَاطِيِّ اللَّاطَائِفِيِّ، ذِي النِّظَامِ الْعَادِلِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَدَالَةِ الْمُتَكَافِئَةِ لِأَجْلِ تَنْمِيَةِ الْمَوَاهِبِ وَالْكِفَاءَاتِ، هُوَ الْمَدْخَلُ الْأَسَاسِيُّ لِتَرْسِيخِ مَفْهُومِ الْوَطَنِ وَتَعْزِيزِ الْمُوَاطَنَةِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى لُبْنَانَ هِبَةَ اللَّهِ إِلَيْنَا، لُبْنَانَ الرِّسَالَةِ، لُبْنَانَ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَبِيرًا يَمُوتْ، وَأَرَادَهُ أَنْ يَكُونَ رَائِدًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ رَائِدًا يَسْقُطْ.
al-Post
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا