في سابقةٍ من نوعها، وجّه حزبُ الله ظهر اليوم «كتابًا مفتوحًا» إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الشعب اللبناني، في خطوةٍ أراد منها تثبيت رؤيته لـ«السيادة والأمن الوطني» في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار المعلَن مع إسرائيل أواخر العام الماضي. لكن يبدو أنّ الكتاب كان موجَّهًا إلى إسرائيل، وكأنّه البيان رقم (1) إذ أعلن انطلاق وجهٍ جديدٍ من أوجه الحرب في جولةٍ جديدةٍ لا يعلم أحدٌ إلى ماذا ستُفضي.
ففي تطوّرٍ لافت لــ“ستاتيكو” الأحداث ويوميّاتها منذ «وقف إطلاق النار»، وجّه الجيشُ الإسرائيلي إنذارًا لعددٍ من القرى الجنوبية بوجوب مغادرتها، وقامت المقاتلاتُ الإسرائيلية بضرب عددٍ من المواقع في هذه البلدات تحت ذريعة أنّها مراكزُ لحزب الله، ما أدّى إلى حالة نزوحٍ لسكان المناطق المستهدفة باتجاه مدنٍ كصور وصيدا وبيروت.
البيانُ الذي جاء بلغةٍ رسميّة هادئة، حمل في مضمونه تحذيرًا سياسيًّا عالي السقف، إذ رفض بشكلٍ قاطعٍ أيَّ مسعى داخلي أو خارجي لإعادة التفاوض مع إسرائيل، أو لبحث مسألة «حصرية السلاح بيد الدولة» خارج التوافق الوطني.
إعادة تفسير القرار 1701
اللافت أنّ الحزب استند في مطالعته إلى القرار الدولي 1701، الذي طالما اعتبره مجحفًا عام 2006، ليجعله اليوم درعًا قانونيًا لشرعية المقاومة. فبحسب قراءته الجديدة، ينحصر نطاقُ القرار جنوبَ نهر الليطاني، ولا يتضمّن أيَّ نصٍّ يُلزِم بنزع سلاح «المقاومة» في باقي المناطق اللبنانية. ومن هذا الباب، حمّل الحزبُ إسرائيل مسؤولية خرق وقف النار، متهمًا إيّاها بابتزاز الدولة اللبنانية ومحاولة جرِّها إلى مفاوضات جديدة تخدم مصالحها.
تحذيرٌ مبطَّن
في سطورِ البيان، بدا حزبُ الله وكأنّه يوجّه توبيخًا مبطّنًا للحكومة برئاسة نواف سلام، معتبرًا أنّ حديثها عن «حصرية السلاح» شكّل «عربونَ حسنِ نيّةٍ» لإسرائيل و«خطيئةً سياسية».
شدّد الحزب على أنّ أيَّ نقاشٍ في ملفّ السلاح يجب أن يتم ضمن «استراتيجية دفاع وطنية»، لا تحت ضغط خارجي أو ابتزاز سياسي، مُكرِّسًا بذلك معادلةً قديمة بثوبٍ جديد: «الجيش والشعب والمقاومة» كركائز لحماية السيادة.
ورفض البيان أيَّ مفاوضات سياسية مع إسرائيل، واعتبرها «فخًّا» يقود إلى الإذعان. وفي الوقت نفسه، يسعى الحزب إلى تحويل موقعه العسكري إلى مظلةٍ وطنية جامعة، عبر التأكيد أن «العدو لا يستهدف حزب الله وحده، بل لبنان كلّه».
بهذا الخطاب، يسحب الحزب النقاش من كونه ملفًّا داخليًّا إلى كونه قضية دفاعٍ عن الكيان اللبناني برمّته، محاولًا تحييد الانقسامات السياسية عبر لغة سيادية جامعة.
نضجٌ تكتيكي أم تثبيتٌ للواقع؟
يرى متابعون البيانَ مناورةً سياسيةً، تهدف إلى تحصين موقع الحزب أمام حكومة تميل إلى التوجّه الغربي، وإلى قطع الطريق أمام أيّ مسعى أميركي – أممي لإعادة فتح ملفّ نزع السلاح.
في المقابل، لا يخلو البيان من رسائل طمأنة للداخل والخارج، إذ يتحدّث عن الالتزام بوقف النار والحرص على الاستقرار، لكنه يربط كلّ ذلك بشرطٍ أساسي: احترام المقاومة و«حقّها المشروع في الدفاع».
بين لهجة الاعتدال الدبلوماسي ومضمون التحدّي الاستراتيجي، يبدو حزبُ الله وكأنه يقول للدولة اللبنانية والعالم: «لن نبدأ حربًا، لكننا لن نتنازل عن سلاحنا».
بهذا الموقف، يحاول حزبُ الله تثبيت معادلة:«الهدوء ممكن… لكن بشروط المقاومة» معادلةٌ يبدو أنّها لم تَعُد صالحةً، والتصاعد التدريجي للأعمال القتالية من العدو الإسرائيلي ستثبت ذلك.