تحميل

إبحث

في الصميم

إسرائيلُ تُحرِقُ غاباتِ لُبنان… تَمهيدًا لِماذا؟

drone_fire_scene

لا يبدو أنَّ الحرائقَ التي شهدتها المناطقُ اللبنانيةُ خلال الأيام الماضية يمكن إدراجها في خانة “الظروف الطبيعيّة”. فطقسٌ غائمٌ، ودرجاتُ حرارةٍ عاديّة، ورطوبةٌ مُرتفعة نسبيًّا، تجعل من احتراق المساحاتِ الحرجية في أكثر من 25 نقطة جغرافيّة أمراً مُثيرًا للريبة

أربعُ مناطقٍ “لافتة”

توزّعت الحرائق على أربعِ مناطقَ حسّاسةٍ جنوبيًّا وجبليًّا وشماليًّا، ما أعطى الانطباع أنَّ ثمّة خيطًا واحدًا يربطُ بينها، وليس محضُ صدفةٍ مناخية.
بقراءةٍ أولية، تُشير البياناتُ المتقاطعة من مصادر ميدانيّة إلى أنّ أهدافًا مشتركةً تجمع هذه المواقع: وعورة في المساحات الحرجية، ارتفاعات تؤمّن رؤيةً واسعة، قربٌ مفترض من مواقع حساسة أمنيًا أو عسكريًا، خط تماس مباشر أو غير مباشر مع مناطق مراقبة إسرائيلية. هذه العناصرُ تجعل من التفسير الطبيعيّ أقل منطقية.

 مصادر مُطّلعة تقول بوضوح إنّ “الحرائق مُفتعلة”، مستندةً إلى ثلاثة عناصر: توقيت غير اعتيادي لاندلاع حرائق في هذه الظروف المناخية. تزامنٌ نَشِط في أكثر من منطقة خلال ساعات. طبيعةُ التمدّد الأفقي للنيران، ما يوحي باستخدام مواد سريعة الاشتعال تُسهِّل الانتشار على مساحات واسعة.

من المستفيد؟

هنا يصبحُ السؤالُ منطقيًا، هل يكونُ العدوُّ الإسرائيلي هو من يقف خلف هذا النمط من الحرائق؟

المصادرُ تُرجِّح هذه الفرضية، إذ تُشدّد على أنَّ الكثير من المواقع المحروقة لعبت – خلال السنوات الماضية – دورًا مهمًّا في تشكيل “شبكة غطاء أخضر” تُصعّب الرصد من الجوّ وتُساعد في إخفاء النشاطات أو التحركات في مناطق حساسة، خصوصًا في القرى الأمامية جنوبيًّا.

بحسب تقديراتٍ مطّلعة، فإنّ إزالة الغطاء الحرجي يفتح أمام الطائرات المسيّرة الإسرائيلية رؤيةً أعمق، ويُسقط ميزة “التمويه الطبيعي” في أكثر من محطة.

هذا النمط من افتعال الحرائق ليس بعيدًا عن أساليب خوض “الحرب الباردة” بالنيران، حيث يمكن ضرب البيئة العملياتية للخصم من دون إطلاق النار

سوابق موثّقة

سُجّلت خلال السنوات الماضية حالات مشابهة في مناطق تماس جنوبية. وتكرارُ النمط يُعزّز الفرضية: حرائق فجائية في مواقع محددة في توقيتٍ خالٍ من موجات الحر، تنتشر أفقياً بسرعة، تنطفئ غالبًا بالتوازي في المناطق ذاتها.

هذا النمط ليس بعيدًا عن أساليب خوض “الحرب الباردة” بالنيران، حيث يمكن ضرب البيئة العملياتية للخصم من دون إطلاق النار.

الغطاء الحرجي ليس مجرد جمال طبيعي؛ هو عنصر استراتيجي في الحرب الحديثة.
فالأشجار الكثيفة: تُعيق رؤية الطائرات المُسيّرة، تُخفّف قدرة التصوير الحراري، تُؤمّن مساحات تحرك غير مكشوفة، وتُعقّد تقدير القوة البشرية أو عدّة الفصائل.

يُعد إزالة هذا الغطاء في المنطق العسكري عملاً تمهيدياً يُسهّل: مراقبة العمق، تحديد الإحداثيات الأرضية بدقة، تحسين دقة الاستهداف الجوي. كشف خطوط تحرك الأفراد والآليات

لماذا الآن؟

لا يقل التوقيت لا يقلّ أهمية عن المكان، فالتطورات السياسية والأمنية في المنطقة تشهد لحظة غليان غير مسبوقة. بين: تصاعد التوتر على الحدود، تبادل الرسائل النارية، تغيرات في قواعد الاشتباك،  ضغوط دولية على ملفات المنطقة، كل ذلك يجعل من أيّ عمل استباقي في البيئة الميدانية جزءًا من مشهد أكبر يجري تحضيره.

 تمهيد لعملٍ ما؟

قد تكون هذه الحرائق: تحضيراً استخبارياً لمسرحٍ عملياتي، أو فتحَ خطوطِ رؤيةٍ أوسع، قياسَ ردود الفعل لدى الجهات المحلية والدفاع المدني، تشتيتاً إعلامياً قبل مرحلة تصعيد، أو ربما محاولة لجرّ المنطقة إلى استنفارٍ مبكر، بما يخلق ضغطاً نفسياً على المواطنين في القرى الحدودية.

 

في الحسابات الباردة، لا شيء يُترك للصدفة في الشريط الحدودي. وحين تشتعل الغابات في أربعة مواقع متباعدة، وفي أكثر من 25 نقطة شديدة الحساسية، وفي طقسٍ غير قابل للاشتعال الطبيعي، يصبح السؤال منطقياً: ماذا تُحضّر إسرائيل في جنوب لبنان؟ هل نحن أمام مجرد “حرائق عابرة”، أم أنّنا أمام إعادة ترتيب ميداني هادئ لِمسار تصعيد قد لا يكون بعيداً؟
al-Post

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا