شكا عدد من أهالي صيدا من ظاهرةٍ تتفاقم منذ فترة، تتمثّل بفرض رسوم من قِبَل بلديات في قرى محيطة بالمدينة، تستهدف حصراً “الصيداويين” القاطنين ضمن نطاقها أو المزاولين لأعمال فيها. وأكدت مصادر محلية متابعة أنّ إحدى البلديات بادرت منذ مدة إلى إطلاق هذه البدعة التي تشبه “الخُوّة” وما لبث أن تبعها عدد من البلديات في منطقة شرق صيدا، عبر مطالبة “الصيداويين” فقط دون غيرهم بدفع مبالغ مالية مقطوعة تحت عنوان “دعم للبلدة”، وليس للبلدية نفسها. علما أنّ الوصل يُقدَّم لصاحبه من قبل موظف رسمي في البلدية وممهور بطابع مالي. غير أنّ القانون واضح: لا يحق لأي بلدية فرض رسوم خارج جدول الرسوم المرعية الإجراء والمنصوص عنها في قانون البلديات، الذي يُفترض أن تشرف على تنفيذه وزارة الداخلية والبلديات بالتنسيق مع المحافظات. والأخطر أنّ هذه الممارسة تقترب من حدود العنصرية، إذ تُوجَّه حصراً ضد الصيداويين الذين يُعامَلون كوافدين غير أصليين في تلك القرى والبلدات، وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، و”حيطهم واطى” فيما تُستثنى سائر العائلات المحلية من تلك الجبايات غير الشرعية. برسم #وزير الداخلية والبلديات والمحافظ للتحرك الفوري، ووقف هذه التعديات المتواصلة…
أغمض عينيك… وتخَيَّل معي هذا المشهد الساحر. تقف على ضفاف النيل في القاهرة، والشمس تشرق على مآذن الأزهر. تحمل عصاك وزادك، وتنطلق في رحلة لن تحتاج فيها إلى جواز سفر، أو تأشيرة دخول، أو حتى تصريح مرور. إنها رحلة عبر إمبراطورية واحدة تمتد من المحيط الأطلسي إلى أسوار الصين، ومن سهول آسيا الوسطى إلى صحاري أفريقيا. من أرض الكنانة إلى الأرض المقدسةتعبر سيناء بخطوات واثقة، لا يوقفك حارس حدود، ولا يطالبك أحد بهوية. تصل إلى فلسطين المباركة، حيث تصلي في المسجد الأقصى، ثم تواصل رحلتك شمالاً عبر بلاد الشام الخضراء. في دمشق، تستريح في ظلال الجامع الأموي، وتستمع إلى قصص الفتوحات من شيوخ المدينة. من هناك، تتجه شمالاً نحو إسطنبول العظيمة، عاصمة الخلافة العثمانية، حيث تقف مبهوراً أمام آيا صوفيا والجامع الأزرق، وأنت تدرك أنك في قلب إمبراطورية تحكم ثلث العالم المعروف آنذاك. إلى مهد الحضارة في بلاد الرافدينتنحدر جنوباً عبر الأناضول، وتعبر نهري دجلة والفرات لتصل إلى الموصل الحدباء، ثم إلى بغداد دار السلام، عاصمة الخلافة العباسية التي كانت يوماً منارة العلم والحضارة في العالم. تتجول في أسواقها، وتزور بيت الحكمة حيث تُرجمت علوم الأولين، وتستمع إلى حكايات هارون الرشيد والمأمون. رحلة الروح إلى بيت الله الحراممن بغداد، تنضم إلى قافلة الحج المتجهة إلى مكة المكرمة. تسير عبر الصحراء العربية، محمياً بأمان الخلافة، حتى تصل إلى البيت الحرام. تؤدي مناسك الحج، ثم تزور المدينة المنورة، حيث تقف أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلبك يفيض بالإيمان والخشوع. عندما كان المسلم في الأندلس يشعر بالانتماء لنفس الوطن الذي ينتمي إليه المسلم في سمرقند. عندما كان العالم الإسلامي أمة واحدة تحت راية واحدة، بقيادة واحدة من اليمن السعيد إلى القرن الإفريقيرحلتك لم تنته بعد. تتجه جنوباً إلى صنعاء العريقة، عاصمة اليمن السعيد، حيث تتأمل عمارتها الفريدة وحدائقها المعلقة. من هناك، تعبر مضيق باب المندب إلى جيبوتي، ثم تواصل رحلتك إلى الصومال الحبيب، حيث تكتشف مدناً إسلامية عريقة على ساحل المحيط الهندي. تركب سفينة تجارية إسلامية، وتعبر المحيط الهندي إلى جزر القمر، ثم إلى ماليزيا وإندونيسيا والفلبين، حيث تشهد كيف وصل الإسلام إلى هذه الجزر النائية عبر التجار والدعاة، وليس بحد السيف كما يدعي المغرضون. جوهرة التاجتصل إلى الهند الإسلامية، حيث تزور دلهي وأغرا وحيدر آباد، وتقف مذهولاً أمام تاج محل، تحفة العمارة الإسلامية الخالدة. تتجول في أسواق التوابل والحرير، وتستمع إلى الموسيقى الصوفية في المساجد والخانقاهات. من الهند، تتجه شمالاً إلى أفغانستان، أرض الجبال الشامخة والمجاهدين الأبطال، ثم إلى أوزبكستان، حيث تقف مبهوراً أمام عظمة بخارى وسمرقند وطشقند وخوارزم. هنا، تترحم على الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي فتح هذه البلاد ونشر فيها نور الإسلام. تواصل رحلتك عبر تركمانستان وقيرغيزيا وطاجكستان، حيث ترى كيف امتدت حضارة الإسلام إلى أقاصي آسيا، وكيف ازدهرت العلوم والفنون في هذه البقاع النائية. تعود أدراجك غرباً، عبر البلقان المسلم، حيث تزور سراييفو وبريشتينا وتيرانا، وتشهد كيف وصل الإسلام إلى قلب أوروبا. تصل إلى الأناضول مرة أخرى، وتركب سفينة عبر البحر المتوسط إلى كريت ومالطا وقبرص. المغرب الأقصىتصل إلى المغرب الأقصى، حيث تتجول في أزقة مراكش الضيقة، وتزور الرباط العاصمة. من هناك، تتجه شرقاً إلى الجزائر، حيث تزور العاصمة البيضاء وتلمسان الأندلسية ووهران الساحلية وقسنطينة المعلقة. رحلتك تقودك إلى تونس الخضراء، حيث تزور القيروان، أول عاصمة إسلامية في المغرب، وتترحم على مؤسسها القائد المجاهد عقبة بن نافع. تجلس في جامع الزيتونة العريق، وتستمع إلى دروس العلماء. من تونس، تتجه إلى ليبيا، أرض عمر المختار البطل، ثم تعود إلى القاهرة، حيث بدأت رحلتك. تصلي في الأزهر الشريف، وأنت تحمل في قلبك ذكريات رحلة عبر إمبراطورية عظيمة. هذه ليست مجرد رحلة خيالية بل حقيقة تاريخية عاشها المسلمون لأكثر من 1250 عاماً في ظل الخلافة الإسلامية. تخَيَّل أنك تقطع كل هذه المسافات الشاسعة دون: جواز سفر أو هوية شخصية تأشيرة دخول أو تصريح مرور حراس حدود يوقفونك أو يفتشونك أسلاك شائكة تقطع طريقك رسوم جمركية أو ضرائب حدودية كل ذلك وأنت تحت حماية خلافتك الإسلامية، تأكل وتنام في الخانات الإسلامية على حساب بيت مال المسلمين، وتتنقل بأمان تام عبر قارات ثلاث أيُّ عزٍّ كنا فيه؟ هذا هو العز الذي فقدناه عندما سقطت الخلافة الإسلامية. عندما كان المسلم في الأندلس يشعر بالانتماء لنفس الوطن الذي ينتمي إليه المسلم في سمرقند. عندما كان العالم الإسلامي أمة واحدة تحت راية واحدة، بقيادة واحدة، وبعملة واحدة أحياناً. اليوم، نحتاج إلى عشرات التأشيرات لنزور بلداناً إسلامية، ونقف في طوابير مذلة أمام سفارات دول كانت يوماً جزءاً من إمبراطوريتنا الواحدة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتذكرها، والحلم الذي يجب أن نسعى لاستعادته، والاضافة عليه…
في تطوّر مفاجئ قد يعيد تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، كشفت صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية عن مخطّط دولي طموح لإدارة قطاع غزة، يضع توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في موقع المسؤول الأوّل عن هذا الملف الشائك. “السلطة الانتقالية الدولية” وفقاً للتقرير المثير للجدل، يتضمن المخطّط تشكيل هيئة تحمل اسم “السلطة الانتقالية الدولية في غزة”، على أن يترأسها بلير لمدّة خمس سنوات كاملة. هذه الهيئة، التي يُفترض أن تحصل على تفويض رسمي من الأمم المتحدة، ستعمل جنباً إلى جنب مع قوّة متعددة الجنسيات لضمان تنفيذ مهامها على الأرض. أما التمويل، فبحسب التقرير، ستتكفّل به دول الخليج العربية، في خطوة تهدف إلى تسليم إدارة القطاع تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية، بمباركة من عدد من الزعماء العرب. ويضيف التقرير بعداً آخر من خلال الإشارة إلى مشاركة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في هذا المخطّط، ما يثير تساؤلات حول الأبعاد الجيوسياسية للمشروع وعلاقته بالسياسات الأمريكية في المنطقة. سياسي بتاريخ حافل يُعدّ أنطوني تشارلز لينتون “توني” بلير، المولود عام 1953، من أبرز الشخصيات السياسية البريطانية في العقود الأخيرة. تولّى رئاسة الوزراء بين عامي 1997 و2007، وقاد حزب العمال إلى ثلاثة انتصارات انتخابية متتالية. تميّزت فترة حكمه بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، إذ طوّر شراكة استراتيجية مع الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش الابن، قادته إلى قرارات مصيرية غيّرت وجه المنطقة والعالم: المشاركة في غزو أفغانستان (2001) بعد أحداث 11 سبتمبر.دعم ومشاركة القوات البريطانية في غزو العراق (2003)، وهو القرار الأكثر إثارة للجدل في مسيرته السياسية. القرار الأخير استند إلى مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ثبت لاحقاً عدم صحتها، ما عرّض بلير لانتقادات شديدة وتحقيقات برلمانية مطوّلة لا تزال تلاحقه. من داوننغ ستريت إلى الخليج العربي بعد استقالته عام 2007، انتقل بلير إلى عالم الاستشارات السياسية والاقتصادية، وبنى شبكة علاقات واسعة، خاصة مع حكومات الخليج. تطوّرت علاقته مع الإمارات إلى شراكة استراتيجية عميقة، حيث عمل مستشاراً شخصياً لمحمد بن زايد آل نهيان في ملفات أمنية وسياسية حساسة. ومن أبرز المشاريع المثيرة للجدل التي ارتبط اسمه بها ما يُعرف بـ**”البيت الإبراهيمي”**، وهي مبادرة تُقدَّم كمسعى للحوار بين الأديان، لكن مراقبين اعتبروها غطاءً سياسياً لمشروع التطبيع العربي–الإسرائيلي. دور خفي في إعادة تشكيل المنطقة ينسب كثير من المحللين إلى بلير دوراً محورياً في الدفع نحو موجة التطبيع بين دول عربية وإسرائيل. مكتبه الاستشاري، المموَّل إماراتياً، يُنظر إليه كأحد العقول المدبّرة للسياسات الإقليمية في أبوظبي، بما في ذلك: وضع استراتيجيات لمواجهة الحركات الإسلامية.الترويج لشخصيات سياسية فلسطينية بديلة.تصميم سياسات اقتصادية وأمنية إقليمية.في هذا السياق، لعب بلير دوراً بارزاً في الترويج لمحمد دحلان، القيادي الفلسطيني المقرّب من الإمارات، كخليفة محتمل لمحمود عباس، ما يكشف عمق تدخّله في الشأن الفلسطيني الداخلي. بول بريمر غزة المقارنة بين الدور المحتمل لبلير في غزة ودور بول بريمر في العراق عام 2003 ليست اعتباطية. بريمر، الذي تولّى منصب الحاكم المدني للعراق تحت الاحتلال الأمريكي، أصدر قرارات كارثية مثل حلّ الجيش العراقي وحزب البعث، غيّرت وجه العراق إلى الأبد. التشبيه يثير تساؤلات حول: طبيعة السلطات التي قد تُمنح لبلير. مدى استقلالية “السلطة الانتقالية”. الأثر البعيد على مستقبل القضية الفلسطينية. ردود فعل متباينة المخطّط يثير انقساماً حاداً، المؤيدون يرون فيه فرصة لإعادة إعمار غزة وتحقيق استقرار طويل المدى عبر آلية لتسليم السلطة تدريجياً للفلسطينيين.المعارضون يحذرون من تكرار مأساة العراق، وتهميش الإرادة الفلسطينية، وتحويل غزة إلى “محمية دولية” تحت السيطرة الخارجية. من يراقب المشروع بتفاصيله، يجد أن الخيط الناظم له لا ينفصل عن مسار التطبيع العربي–الإسرائيلي. بلير، الذي نسج علاقاته في المنطقة عبر البوابة الإماراتية، ليس مجرد “وسيط دولي”، بل أحد أبرز مهندسي هذا المسار، حيث يجري تقديم غزة كـ”ملف اختبار” لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يتوافق مع خريطة التطبيع الجديدة. سؤال معلّق مع تزايد التسريبات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لرجل شارك في تدمير العراق أن يكون جزءاً من حلّ أزمة غزة؟ الإجابة ستتوقف على المواقف الفلسطينية أولاً، وعلى طبيعة الصفقة الدولية ثانياً. لكن المؤكد أن اسم توني بلير، كما في كل محطة من تاريخه، سيظل مثقلاً بالجدل، وأقرب إلى صورة “الشيطان” الذي لا يكمن في التفاصيل، بل في كامل المشهد.