سَلَّطَت حادثةُ وفاةِ العاملِ صلاح في بلديةِ صيدا، التي وقعت قبل أيّامٍ إثرَ أزمةٍ قلبيةٍ حادّة، الضوءَ على إشكاليةٍ خطيرةٍ تتعلّق بامتناعِ عددٍ من مستشفياتِ المدينةِ عن استقبالِه كحالةٍ طارئة. وهذه المأساةُ الفرديةُ كشفت عن نقاطٍ جوهريةٍ تستدعي نقاشًا معمّقًا للوصولِ إلى حلولٍ جذريةٍ لمشكلةٍ صحيةٍ مزمنةٍ يُعاني منها الكثيرُ من المقيمينَ في صيدا. إنَّ وضعَ المرحومِ صلاح لا يختلف كثيرًا عن حالِ العديدِ من العمالِ المياومينَ وغيرِ الدائمينَ في البلدية، الذين يفتقرونَ إلى الرعايةِ الصحيةِ والاستشفائيةِ الأساسية، فضلًا عن عدمِ تسجيلهم في الصندوقِ الوطنيِّ للضمانِ الاجتماعي. وهذا الواقعُ المريرُ يُحَتِّمُ إيجادَ حلولٍ عاجلةٍ ومستدامةٍ لهم، خاصةً في ظلِّ الظروفِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ الصعبةِ التي تمرُّ بها البلاد. تزايدُ حالاتِ أمراضِ القلب تُعَدُّ مبادرةُ النائبِ عبد الرحمن البزري بالتواصلِ مع وزيرِ الصحة، ركان ناصر الدين، لبحثِ المشكلةِ وإيجادِ حلولٍ لها، خطوةً إيجابيةً تستحقُّ التقدير. وقد تضمّن البيانُ الصادرُ عن مكتبِ النائب الحديثَ عن اتفاقٍ مبدئيٍّ لإقامةِ مركزٍ متخصصٍ لمعالجةِ حالاتِ القلب، وطلبٍ من مجلسِ الإنماءِ والإعمار إعدادَ دراسةٍ بهذا الشأن ومتابعةِ الموضوع. ومع ذلك، فإنَّ العبرةَ الحقيقيةَ لا تكمن في الاتصالاتِ والوعودِ فحسب، بل في سرعةِ التنفيذ، خصوصًا مع التزايدِ الملحوظِ في حالاتِ الإصابةِ بأمراضِ القلب. ويَتَطَلَّبُ تسريعُ هذا التنفيذِ متابعةً دؤوبةً وحثيثةً من نائبي المدينةِ ومجلسِها البلدي، باعتبارِهم الجهاتَ المعنيّةَ والمباشرةَ بهذه القضية. لكنَّ القضيةَ الأهمَّ والأكثرَ تعقيدًا تتصلُ بالأسقفِ الماليةِ المحددةِ لمستشفياتِ صيدا لتغطيةِ حالاتِ أمراضِ القلب. وهنا تبرزُ تساؤلاتٌ مُلِحَّة: مَن يُحَدِّد هذه الأسقف؟ ولماذا تتوقفُ التغطيةُ بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؟ وكيف يمكنُ للمواطنِ أن يتدبّرَ أمورَه الصحيةَ خلالَ الأشهرِ المتبقيةِ من العام؟ وهل تُراعى في هذه التحديداتِ أعدادُ المقيمينَ في منطقةِ صيدا، وعددُ الأسرّةِ المتاحة، وكيفيةُ توزيعِها على المناطقِ اللبنانية؟ وهل يُشكّلُ عددُ المقيمينَ المعيارَ الأساسيَّ في تحديدِ هذه الأسقف؟ هذه التساؤلاتُ تستدعي تعاونًا وثيقًا بين المجلسِ البلدي، ممثَّلًا باللجنةِ الصحية، والقوى السياسيةِ في المدينة، لمتابعةِ الموضوعِ بشكلٍ جدّيٍّ مع الوزاراتِ المعنية. أخلاقياتُ المهنةِ الطبية يبقى موضوعٌ بالغُ الأهميةِ يتعلّق بأخلاقياتِ المهنةِ الطبية. فهل يحقُّ لأيِّ مستشفى أن يرفضَ استقبالَ حالاتٍ خطِرةٍ جدًّا بسببِ الوضعِ الماليِّ للمريض، أو بحجّةِ عدمِ توفرِ أسرّةٍ على حسابِ وزارةِ الصحة؟ هذا التساؤلُ يكتسبُ أهميةً خاصةً في ظلِّ وجودِ بروتوكولٍ واضحٍ للحالاتِ الطارئة، ينصُّ صراحةً على واجبِ المستشفى استقبالَ المريضِ المصابِ بحالةٍ طارئة، وتقديمَ الإسعافاتِ الأوليةِ اللازمةِ له. لذا، يَتوجّبُ على الجهاتِ المعنيةِ التوقّفُ مليًّا أمامَ هذا الموضوع لمعالجتِه بجدّية، بدلًا من الاكتفاءِ بنقدِ ما جرى وطَيِّ الصفحةِ دونَ محاسبةٍ أو تغييرٍ حقيقيّ. إنَّ حياةَ المواطنينَ وصحتَهم يجب أن تكونَ فوق كلِّ اعتبارٍ ماديٍّ أو إداريّ.
توقّفت مصادر صيداوية متابعة عند حركة “إعادة تعويم” لإحدى الشخصيات “الثانوية”، والتي يُثار حول أدائها المهني والشخصي الكثير من علامات الاستفهام، إذ لم تكن يومًا محطّ ترحيب في الأوساط السياسية أو الاجتماعية في المدينة. ومع ذلك، تسعى إحدى الشخصيات التي لطالما لعبت دورًا ما في المشهد الصيداوي، إلى فرض هذه الشخصية “المريبة” في عدد من مجالس الإدارات والجمعيات الناشطة. وقد تتمظهر المشكلة في الفترة المقبلة بكون هذه الشخصية، رغم كونها “هامشية”، فُرضت في موقع حسّاس يتّصل بصندوق مالي لا حسيب عليه ولا رقيب، علمًا أنّ لهذا الصندوق “البدعة” تماسًا مباشرًا مع حياة الكثير من الصيداويين ويؤثّر عليهم. من قال إنّ الرجوع عن الخطأ فضيلة، لم يُخطئ.
متضررون لليوم الثاني على التوالي، يواصل العاملون في بلدية صيدا، من موظفين وأجراء، إضرابهم المفتوح الذي بدأ صباح الأربعاء، 8 تشرين الأول، للمطالبة بحقوق يعتبرونها مكتسبة ومشروعة. يتمسك المضربون بمطلبين أساسيين: شمولهم بـ “تعويض المثابرة” بمفعول رجعي، ومنحهم ثلاث درجات استثنائية منذ عام 2017، أسوة بزملائهم في القطاع العام وبعض البلديات الأخرى.يأتي هذا التحرك في وقت حرج، حيث تقع أعباء خدمة أكثر من 200 ألف مواطن في ثالث كبرى مدن لبنان على عاتق 14 موظفاً و46 أجيراً فقط. هذا العدد الضئيل هو نتيجة طبيعية لسياسة وقف التوظيف التي أدت إلى تناقص الكادر الوظيفي بشكل حاد، بعد أن كان يضم 105 موظفين، إما بسبب التقاعد أو الاستقالة، مما فاقم من الضغط على العاملين الحاليين.ما يزيد الوضع تعقيداً، أن الأجراء في البلدية يعانون من غياب تام للتغطية الصحية، فهم غير مشمولين بأي نظام ضمان صحي أو استشفائي، سواء من جهة رسمية أو خاصة، مما يتركهم وعائلاتهم في مواجهة مصير مجهول. لا يأتي هذا الإضراب من فراغ، بل يستند إلى قرارات رسمية لم تجد طريقها إلى التنفيذ في البلديات. فقرار مجلس الوزراء رقم (1) الصادر في 28 شباط 2024، نص صراحةً في بنده الثالث على منح “تعويض مثابرة” للعاملين في الإدارة العامة، كما سمح التعميم رقم 13/2024 للمؤسسات العامة الإدارية بتطبيق القرار ذاته. في حديث ل”البوست” يتسأل أحد الموظفين المضربين بمرارة: “لماذا تُستثنى البلديات، وهي المؤسسات الأكثر احتكاكاً بالمواطنين وخدماتهم اليومية؟ ليس من العدل أن يتقاضى موظف من الفئة الثانية في البلدية راتباً يعادل راتب موظف من الفئة الثالثة في أي إدارة عامة أخرى”. يضيف موظف آخر: “الحل يكمن في إصدار وزارة الداخلية والبلديات تعميماً مماثلاً لتعميم رئاسة مجلس الوزراء، يمنحنا حقنا في تعويض المثابرة”. يُذكر أن رئيس بلدية صيدا السابق، حازم بديع، كان قد خاطب وزير الداخلية والبلديات بهذا الشأن في كتاب رسمي بتاريخ 16 نيسان 2025، لكن دون جدوى. وحتى اليوم، لا يزال العاملون ينتظرون تحويل الوعود المتكررة من المسؤولين إلى خطوات عملية وجادة، بينما تبقى مصالح المواطنين معلقة.