تحميل

إبحث

وجوه وحكايات

الصيداوي الذي داوى فلسطين

Hadi badran BW

ما لم يقله الكثيرون أو يكتبه الكاتبون عن الطَّبيبِ الفِلَسْطينِيِّ الرّاحِلِ هادي بَدْران، الذي غادرنا منذ يومين، هو أنه ابن مدينة صيدا التي لم تُنصِفْه. فيها وُلِدَ وتَرَعْرَع، ومنها انطلق نحو العالم…وفلسطين

قد لا يعرفه الكثيرون من أهلها، كما يشاهدون مئات الصور البائسة اليوم تغطي الشوارع والطرقات والأزقة، لكنه الأثر الطيب لمدينةٍ طيبة، قال كلماته المُدوِّية بصمت، ومضى ككسرة موجٍ هادئةٍ على صخور شواطئها الأزلية.

نحزن لأننا لا نُكرمك اليوم إلّا بعد رحيلك، وهو أقلّ ما نستطيع القيام به حيال هامتك يا دكتور هادي بدران.
أيها الطَّبيبُ الفِلَسْطينِيُّ الأصْلِ، الذي وُلِدَ في لُبنانَ لعائِلَةٍ لاجِئَةٍ، وعِشْتَ في صيدا وتعلمتَ في مدارسها، ومشيتَ في أحيائها وشوارعها، لكنك كقصة كل لاجئ، لم يَكْفِكَ البلدُ بطيبِ عيشٍ كريمٍ وأبسطِ حقوقِ الإنسانيّة، فقصدتَ المهجر، وقلبك مُعلّقٌ بمدينتك التي لم تَخْلُ حقائبُ سفركَ يومًا من دواءٍ تحمله لمرضاها كلما قصدتَها زائرًا أو مستطلِعًا.

سافرتَ إلى بريطانيا حيثُ درستَ وتخصَّصتَ، وعملتَ كطبيبِ تَخْديرٍ عامٍّ في كبرياتِ المستشفياتِ البريطانيةِ، التي منحتكَ جنسيتَها، ولم تبخلْ عليكَ كما فَعَلَ بحقّك مسقطُ رأسِكَ.

 

في زحمة الصمت، رحل قبل يومين الطبيب الفلسطيني هادي بدران، دون ضجيج يليق بجوهره، ودون أن تلتفت مدينته الأم صيدا إلى وداعه حتى ولو دفن في بريطانيا

دِماؤُنا لَيْسَتْ أغْلى

عُرِفَ الدُّكتورُ بدران بتفانيهِ والتزامِهِ العميقِ بالقضيةِ الفلسطينيةِ. وعلى الرَّغمِ مِن صِراعِهِ الطويلِ مع مرضِ السرطانِ، ومُعارضةِ عائلتِهِ بسببِ حالتِهِ الصحيةِ، أصرَّ على السفرِ إلى قطاعِ غزةَ العامَ الماضي ضمنَ وفدٍ من الأطباءِ المتطوِّعينَ، للمشاركةِ في علاجِ الجرحى والمصابينَ جرّاء العدوانِ الإسرائيليِّ. وقد نُقِلَ عنه قولُهُ في مقطعٍ مصوَّرٍ من غزةَ:
“دِماؤُنا لَيْسَتْ أغْلى مِن دِمائِهِم… وتَوَسَّلْتُ لهُمْ لأخْذي إلى غَزَّةَ”.

تُوُفِّيَ الدكتورُ هادي بدران يومَ الجمعةِ الموافقِ 24 مايو/أيار 2025 في لندن، بعد صراعٍ طويلٍ ومريرٍ مع مرضِ السرطانِ، الذي لم يمنعْهُ من تلبيةِ نداءِ الواجبِ الإنسانيِّ تجاه أبناءِ شعبهِ في غزة.

نعتْهُ العديدُ من الأوساطِ الطبيةِ الفلسطينيةِ والعربيةِ في بريطانيا وأوروبا، بالإضافةِ إلى المنتدى الفلسطينيِّ في بريطانيا، وتجمُّعِ الأطباءِ الفلسطينيين، مشيدينَ بنُبْلِهِ وتفانيهِ وعطائِهِ الذي لم يعرفْ حدودًا. يُذكَر كنموذجٍ للطبيبِ الإنسانِ، الذي جعلَ من علمِهِ وجُهدِهِ ومالِهِ وقلبِهِ وسيلةً لدعمِ قضيتِهِ وخدمةِ الإنسانية.


 

separator
وأسلم الروح بعيداً
في يوم الجمعة 24 أيار/مايو 2025، أسلم الروح في لندن، بعيدًا عن مدينته التي أحب، وشعبه الذي لم يتخلّ عنه حتى اللحظة الأخيرة

نعته مؤسسات طبية فلسطينية وعربية في بريطانيا وأوروبا، كما نعاه المنتدى الفلسطيني في بريطانيا وتجمّع الأطباء الفلسطينيين، مؤكدين أن رحيله خسارة ليس فقط لعائلته وأصدقائه، بل للإنسانية برمتها.

هادي بدران لم يكن طبيبًا فقط، بل ضميرًا حيًا، حمل علمه وماله ووقته وقلبه، وجعل منهم وسيلة لخدمة شعبه والدفاع عن قضيته. لم تكن غايته شهرة، ولا انتظر تكريمًا، لكنه اليوم، وإن تأخر التكريم، يستحق أن يُكتب اسمه بحروف من ضوء.

العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا