تحميل

إبحث

في الصميم

الصهيونية الهندوسية…قتُل المسلمين وتشريدهم

india israel

إذا كان الصيت لإسرائيل في العدوانية والقتل والعنصرية والهمجية، فالفعل فعليًا للهند بحق المسلمين والأقليات التي تقطنها. كل ذلك يحصل بطريقة ممنهجة وبعيدة عن الأضواء. أكثر من 137 مليون مسلم تتمّ إبادتهم بصمت ووحشية ناعمة، وأنظار العالم معمية عن حقيقة ما يجري في بلاد بعيدة وغريب

في صباح بارد من شتاء عام 2020، وقف توفيق أحمد في مطار نيودلهي الدولي، حاملاً حقيبة سفر واحدة وقلباً مثقلاً بالذكريات والمخاوف. لم يكن يسافر إلى كندا بحثاً عن ترقية وظيفية أو شهادة جامعية أو راتب أفضل، بل كان يفر من شيء أعمق وأكثر إيلاماً – شعور متنامٍ بعدم الأمان في وطنه الذي وُلد وترعرع فيه.

الهجرة الصامتة

قصة توفيق ليست استثناءً، بل جزء من ظاهرة أوسع وأكثر تعقيداً تشهدها الهند اليوم: الهجرة الصامتة للمسلمين الهنود بأعداد متزايدة ومثيرة للقلق. وفقاً لأحدث الإحصائيات الصادرة عن مركز بيو للأبحاث، تحتل الهند اليوم المرتبة الثانية عالمياً كأكبر مصدر للمهاجرين المسلمين، متجاوزة بذلك جميع الدول باستثناء سوريا.

هذه الأرقام تحكي قصة مؤلمة عن تحول جذري في طبيعة الهجرة من الهند. فبينما كانت الهجرة في الماضي مؤقتة ومدفوعة بالبحث عن فرص اقتصادية أفضل، خاصة في دول الخليج، تشير الأدلة اليوم إلى أن المسلمين الهنود يهاجرون بقصد الاستقرار الدائم، بحثاً عن الأمان والكرامة التي يشعرون بفقدانها في وطنهم الأصلي.

الأرقام صادمة بكل المقاييس: حوالي ستة ملايين مسلم هندي يعيشون اليوم خارج الهند، وهو رقم يمثل زيادة بنسبة 192% منذ عام 1990. والأغرب أن المسلمين، رغم تشكيلهم 15% من سكان الهند، يمثلون ثلث جميع المهاجرين الهنود حول العالم، مما يشير إلى معدل هجرة أعلى بكثير من أي مجموعة دينية أخرى في البلاد. هذه الظاهرة المتنامية تهدد بتغيير وجه الهند إلى الأبد.

الأرقام تتحدث

تكشف الأرقام الصادرة عن تقرير لمركز بيو للأبحاث في آب/أغسطس 2024،  عن حجم الأزمة الحقيقي. فمن بين 80 مليون مهاجر مسلم حول العالم، تساهم الهند بـ 6 ملايين مهاجر، مما يجعلها ثاني أكبر مصدر للهجرة الإسلامية عالمياً. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق يكمن في التفاوت الصارخ بين التركيبة الدينية للمقيمين في الهند والمهاجرين منها.

ففي حين يشكل الهندوس 80% من سكان الهند، نجدهم يمثلون 41% فقط من المهاجرين الهنود. وعلى النقيض من ذلك، يشكل المسلمون 15% من سكان الهند لكنهم يمثلون 33% من المهاجرين، بينما يشكل المسيحيون 2% من السكان لكن 16% من المهاجرين.

من الخليج إلى الغرب

تكشف بيانات الهجرة عن تطور ملحوظ في وجهات المهاجرين المسلمين الهنود. فبينما كانت دول الخليج العربي تستقطب الجزء الأكبر من هؤلاء المهاجرين تاريخياً، نشهد اليوم توجهاً متزايداً نحو الدول الغربية. الإمارات العربية المتحدة تستضيف 1.8 مليون مسلم هندي، تليها السعودية بـ 1.3 مليون، ثم عُمان بـ 720,000.

الجديد في هذه المعادلة هو الاتجاه المتزايد نحو كندا والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، حيث يسعى المهاجرون المسلمون الهنود إلى الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية، وليس مجرد عقود عمل مؤقتة كما كان الحال في الماضي. يمثل التحول في طبيعة الهجرة من المؤقتة إلى الدائمة أحد أهم التطورات في هذه الظاهرة.

يوضح الدكتور نظام الدين أحمد صديقي، الأكاديمي القانوني هذا التحول “في الماضي، كانت الهجرة مؤقتة. الناس ذهبوا إلى الخليج للعمل وعادوا. الآن، يذهبون للاستقرار. يريدون أن ينشأ أطفالهم في مجتمعات أكثر أماناً وعدالة”.

هذا التحول الجذري في نية الهجرة يعكس تغيراً عميقاً في تصور المسلمين الهنود لمستقبلهم في وطنهم الأصلي. فبدلاً من النظر إلى الهجرة كوسيلة لتحسين الوضع الاقتصادي مع العودة النهائية إلى الهند، أصبحت الهجرة تُنظر إليها كطريق للنجاة من بيئة يُنظر إليها على نحو متزايد كمعادية ومهددة.

في شهر يونيو الماضي هدمت السلطات في ولاية ماديا براديش 11 منزلاً لعائلات مسلمة بحجة العثور على لحم بقر في ثلاجاتهم، هذه الممارسة، التي وصفها قادة الحزب الحاكم بـ"عدالة الجرافة"، تُستخدم كوسيلة للعقاب الجماعي ضد المجتمع المسلم تماما كما تفعل إسرائيل بحق أصحاب الأرض من الفلسطينيين

84%

زيادة نسبة العنف الطائفي في الهند عام 2024

التمييز وخطاب الكراهية والتحريض

من أبرز السياسات التي أثارت مخاوف المسلمين الهنود قانون تعديل الجنسية (CAA) الذي أقره البرلمان في ديسمبر 2019. هذا القانون يسرع عملية منح الجنسية الهندية للاجئين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش، لكنه يستثني المسلمين صراحة، مما يجعله أول قانون في تاريخ الهند المستقلة يميز على أساس ديني.

أثار القانون احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء الهند، وكانت جامعة جاميا ميليا الإسلامية في نيودلهي إحدى بؤر هذه الاحتجاجات. الطريقة العنيفة التي تعاملت بها الشرطة مع المتظاهرين، خاصة الطلاب، تركت أثراً عميقاً في نفوس المسلمين الهنود.

يوثق تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2025 كيف استخدمت حملة مودي الانتخابية لعام 2024 “خطاب الكراهية ضد المسلمين والأقليات الأخرى بشكل متكرر، محرضة على التمييز والعداء والعنف ضدهم”. هذا الخطاب الرسمي المعادي للمسلمين لم يعد مقتصراً على الهوامش السياسية، بل أصبح جزءاً من الخطاب السياسي السائد.

الأمثلة على هذا الخطاب كثيرة ومتنوعة، من تصريحات المسؤولين الحكوميين التي تصف المسلمين بـ”المتسللين” إلى الحملات الإعلامية التي تروج لنظريات المؤامرة حول “الجهاد الديموغرافي” المزعوم. هذا المناخ من العداء المؤسسي خلق بيئة يشعر فيها المسلمون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في وطنهم.

التمييز ضد المسلمين في الهند لا يقتصر على الخطاب السياسي، بل يمتد إلى جوانب الحياة اليومية. أظهرت دراسة أجرتها منظمة Common Cause عام 2019 أن نصف أفراد الشرطة الذين شملهم الاستطلاع أظهروا تحيزاً ضد المسلمين، مما يجعلهم أقل احتمالاً للتدخل لوقف الجرائم ضد المسلمين.

وفي مجال التوظيف، يواجه المسلمون حواجز منهجية. فقد بينت دراسة أجراها مركز دراسة المجتمعات النامية بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية أن 44% من الشباب المسلم أبلغوا عن تعرضهم للتمييز بسبب دينهم، بينما أفاد 47% من المسلمين بخوفهم من الاتهام الكاذب بالإرهاب.

في مجال الإسكان، يواجه المسلمون صعوبات متزايدة في العثور على سكن في المناطق ذات الأغلبية الهندوسية. العديد من أصحاب العقارات يرفضون صراحة تأجير شققهم للمسلمين، مما يؤدي إلى عزلة سكنية متزايدة وتشكيل “غيتوهات” مسلمة في المدن الكبرى.

العنف الطائفي

تكشف الأرقام الصادرة عن مركز دراسة المجتمع والعلمانية (CSSS) عن تصاعد مقلق في العنف الطائفي. في عام 2024 وحده، شهدت الهند زيادة بنسبة 84% في أعمال الشغب الطائفية مقارنة بالعام السابق، حيث وقعت 59 حادثة مقابل 32 في عام 2023. من بين 13 قتيلاً في هذه الأحداث، كان 10 منهم مسلمين.

الأمر الأكثر إثارة للقلق أن 49 من أصل 59 حادثة شغب طائفي وقعت في ولايات يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، مما يثير تساؤلات حول دور السلطات المحلية في منع أو تأجيج هذا العنف. كما شهد العام نفسه 13 حادثة إعدام خارج القانون، أسفرت عن مقتل 11 شخصاً، 9 منهم مسلمون.

عدالة الجرافة

من أكثر الممارسات إثارة للجدل ما يُطلق عليه “عدالة الجرافة” (Bulldozer Justice)، حيث تقوم السلطات المحلية في الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا بهدم منازل وممتلكات المسلمين دون إجراءات قانونية سليمة، غالباً كعقاب جماعي بعد أحداث الشغب الطائفي أو الاحتجاجات.

في يونيو 2024، هدمت السلطات في ولاية ماديا براديش 11 منزلاً لعائلات مسلمة بحجة العثور على لحم بقر في ثلاجاتهم، بالإضافة إلى جلود حيوانات وبقايا عظمية للماشية. هذه الممارسة، التي وصفها قادة الحزب الحاكم بـ”عدالة الجرافة”، تُستخدم كوسيلة للعقاب الجماعي ضد المجتمع المسلم تماما كما تفعل إسرائيل بحق أصحاب الأرض من الفلسطينيين.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

الهجرة المتزايدة للمسلمين من الهند لا تمثل مجرد تحرك ديموغرافي، بل تحمل في طياتها تداعيات اقتصادية واجتماعية عميقة تؤثر على المجتمع الهندي ككل، وعلى المجتمع المسلم بشكل خاص. هذه التداعيات تتراوح بين فقدان رؤوس الأموال البشرية المتخصصة وتآكل القيادات المجتمعية، مما يخلق دورة مفرغة من التهميش والضعف.

يصف محمد أديب، العضو السابق في مجلس الراجيا سابها (المجلس الأعلى للبرلمان الهندي) وعضو مجلس الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند، هذه الظاهرة بوضوح مؤلم “سواء كان التقسيم، عندما عبر معظم المسلمين المتعلمين والمؤهلين الحدود، ثم الهجرة الاقتصادية إلى الخليج والآن إلى الولايات المتحدة وكندا، فإن المسلمين في الوطن تُركوا بدون قادة ورواد. ونتيجة لذلك أصبحوا أكثر عرضة للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

هذا التحليل يكشف عن نمط تاريخي مستمر من فقدان النخب المسلمة المتعلمة، بدءاً من تقسيم الهند عام 1947 وصولاً إلى الهجرة المعاصرة. كل موجة هجرة تأخذ معها شريحة من الأكثر تعليماً وثراءً وقدرة على القيادة، تاركة وراءها مجتمعاً أكثر ضعفاً وأقل قدرة على الدفاع عن حقوقه.

تؤكد الدراسات الأكاديمية هذا التوجه. يشير بحث نُشر عام 2018 حول “الهجرة المسلمة إلى الغرب: حالة الأقلية المسلمة من الهند” إلى أن “استنزاف الأدمغة المسلمة الهندية مدفوع أكثر بعوامل الطرد في الهند، بما في ذلك التمييز الديني والفساد في القطاع العام”. هذا يعني أن الهجرة ليست مجرد بحث عن فرص أفضل، بل فرار من بيئة معادية.

تآكل القيادة المجتمعية

أحد أخطر التداعيات الاجتماعية لهجرة المسلمين الهنود هو تآكل القيادة المجتمعية. هذا النقص في القيادة يترك المجتمع المسلم أكثر عرضة للتلاعب السياسي والتهميش الاجتماعي. بدون قيادات قوية ومتعلمة قادرة على التفاوض مع السلطات والدفاع عن حقوق المجتمع، يصبح المسلمون أكثر ضعفاً في مواجهة التحديات المتزايدة.

تكشف الأرقام عن تراجع مقلق في التمثيل السياسي للمسلمين في الهند. بعد انتخابات 2019، يحتل المسلمون 5% فقط من مقاعد البرلمان، رغم تشكيلهم 15% من السكان. هذا التراجع يُعزى جزئياً إلى صعود حزب بهاراتيا جاناتا، الذي لم يكن لديه أي عضو مسلم في البرلمان بحلول منتصف عام 2022.

India refugees
لا يحرك العالم الاسلامي ساكنا تجاه إخوته
تنكر الحكومة الهندية باستمرار وجود تمييز منهجي ضد المسلمين، وتصف التقارير الدولية بأنها متحيزة وتدخل في الشؤون الداخلية. المسؤولون الهنود يؤكدون أن الهند تدار وفقاً لمبادئ ديمقراطية من المساواة وعدم وجود تمييز في البلاد. هذا الموقف الدفاعي يعكس حساسية الحكومة الهندية تجاه الانتقادات الدولية، لكنه يفشل في معالجة المخاوف الحقيقية التي تثيرها المنظمات الدولية والمجتمع المدني. الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع على الأرض تزيد من تآكل مصداقية الهند دولياً. رغم الضغوط الدولية المتزايدة، لا تظهر الحكومة الهندية استعداداً كبيراً لتغيير سياساتها. هذا يعكس جزئياً الثقة في القوة الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة للهند، والاعتقاد بأن الدول الأخرى ستتجاهل مخاوف حقوق الإنسان مقابل المصالح الاقتصادية والاستراتيجية. لكن هذا الحساب قد يكون خاطئاً على المدى الطويل.
al-Post
العلامات

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا