لا بدّ من الإشارة إلى تميّز الكتاب من ناحية الإخراج واستخدام الصور المناسبة والواضحة.بدأ الكتاب بثلاثين صفحة تضمنت مقالات واحتفالات وتكريمًا لعددٍ من الشخصيات، وهي بمعظمها حوّلت البلدية إلى مؤسسةٍ يقوم بها شخصٌ واحد. هذه الصفحات لم تتضمن إنجازًا واحدًا ساهم في تطوير وتقدّم المدينة. تلا هذا القسم صفحات تحمل عناوين لمسيرة العمل البلدي في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2016، وهي عناوين كنا قد أشرنا إلى بعضها في مقال سابق، لكن ذكرها بهذه الطريقة يفتح الباب لنقاش كلٍّ منها على حدة. ثم يتحدث الكتاب عن “الاستراتيجية المستدامة للتطوير الحضري”، ويطرح فيها مجموعة من المشاريع، لكنه لم يُشِر إلى نتائج ما حَصَل في تلك المشاريع. في أكثر من موضع، يُشير الكتاب إلى “زيرة صيدا” وأهميّتها ودورها، من دون الإشارة ولو لمرةٍ واحدة إلى مسؤولية وزارة الأشغال عنها، وأنّ البلدية أصلًا لا تلتزم بالشروط التي وضعتها الوزارة في قراراتها، والتي كلّفت البلدية مسؤوليتها عنها لمدة ستة أشهر سنويًا. من يقرأ ما هو مكتوب عن “البلدة القديمة”، و”صفوف الأشجار المورقة”، و”الواجهة البحرية الجديدة”، يقع في حيرةٍ من أمره، لأنه لن يعرف عمّا يتحدث الكتاب.لكن عندما نقرأ عمّا كُتِب عن دور بلدية صيدا ومؤسسات المجتمع الأهلي في تقديم يد العون والمساعدة لأهالي بيروت، ضحايا جريمة انفجار مرفأ بيروت، نشعر بالاعتزاز لهذا الدور المُشرّف. يعود الكتاب ليتحدث عن مرفأ صيدا ويصفه بـ”المرفأ التجاري”، ويتجاهل أنّ أساس المرفأ أنه سياحي، ويجهل الكثيرون كيف تحوّل إلى تجاري.والأسطورة التي تُطرح بأن يكون تجاريًا وسياحيًا في الوقت نفسه، عدا الملاحظات الأخرى المتعلقة بآثاره السلبية على “صيدا العتيقة”.أمّا “ميناء الصيادين”، فينسى الكتاب “المجرور” الذي يصبّ فيه، ويؤدي إلى نتائج سلبية للصيادين. ينتقل الكتاب ليسلّط الضوء على المتحف الذي وُضع حجرُ أساسه عام 2009، ولم ينتهِ العمل فيه حتى اللحظة. الأهم أننا راجعنا المجلس البلدي بخصوص النتائج والمكتشفات التي توصلت إليها بعثة “المتحف البريطاني”، والتي تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام قبل الميلاد، فلم نجد شيئًا منها في البلدية. أما مشروع ترميم “قَشْلَة” صيدا، والذي بدأ عام 2016، فهو حتى اللحظة ما زال متوقفًا عن العمل، ويشير إليه الكتاب باعتباره “إنجازًا”!يعود الكتاب للإشارة إلى معمل معالجة النفايات بأنّ عمله مستمر ويُتابَع من قبل البلدية؛ من يقرأ هذا يُصاب بالصدمة، فالمعمل متوقّف عن العمل المنتظم منذ عام 2021، وقد استبدل جبل النفايات السابق بجبال من النفايات المتراصّة. صفحات من الكتاب تتحدث عن صيدا كـ”مدينة صديقة للبيئة وخالية من النفايات، وحملات التشجير تغطيها”، تجعل القارئ يُغمِض عينيه… ويحلم. كما يتحدث الكتاب عن المساعدات التي قدّمتها البلدية للعائلات الأكثر حاجة، والتي بلغت قيمتها 3 مليارات و100 مليون ل.ل. ويصف بصورةٍ مثالية ما حصل، ويتجاهل ملاحظات تجمع “علّ صوتك” على آلية العمل ونهب المال العام، وحصول أحد ناشطي “علّ صوتك” على قسائم غير قانونية ومرتجعة من البلدية بخصوص ذلك، ولكن لم يجرِ أيّ تحسين في آلية العمل. ويتناسى البعض الاجتماع الذي جمع أعضاء من المجلس البلدي بوفدٍ من “علّ صوتك”، اعترف خلاله أعضاء المجلس بالمخالفات التي قدّمها الوفد، والتي لن ندخل في تفاصيلها الآن. ثم يعرض الكتاب “الأمنيات السياحية”، وأنّ صيدا “مدينة رمضانية” ينتهي دورها بانتهاء الشهر المبارك.ويسترسل الكتاب في وصف نشاطٍ متنوّع وأحداث متنوّعة، لا يمكن وصفها بأنها “أرضية لتنمية مستدامة” تأخذ بعين الاعتبار الموارد البشرية الموجودة وكيفية الاستفادة منها. ثم يتحوّل الكتاب إلى “معرضٍ للآثار والموروث”، من القِلاع التاريخية إلى بحر العيد والكورنيش البحري. لفت النظر ما كتبه عضو المجلس البلدي آنذاك المحامي ميشال طعمة حول إدارة البلدية بصفتها “عينًا ساهرة في خدمة المواطنين”. لا يختلف اثنان عمّا يبذله ما تبقى من الإدارة في خدمة المواطنين، ولكن هناك أقسامًا بحاجة إلى متابعة ومراقبة، مثل الأقسام التي تقدم خدمات مباشرة للجمهور، مثل: المجارير، والإطفاء وما تبقى من آلياته، والشرطة البلدية، وما يلزمها من عديد ورعاية، بدلًا من وصفٍ لا علاقة له بالواقع. وما يثير الضحك أنّ الكتاب يتحدث عن “مسلخ صيدا البلدي” الذي “يحظى برقابة دائمة من البلدية”، وأنه “أهم مسلخ في لبنان”، وهو مسلخ متوقف عن العمل!ربما كان يعمل عند صدور الكتاب، ولكن ليس كما وُصِف. ما كُتِب في هذا المقال هو توصيفٌ للواقع، ويتعارض عمّا تضمنه كتاب المجلس البلدي، وهو كتاب صدر نهاية عام 2022، واستمر العمل بذات السياسة حتى الانتخابات البلدية الأخيرة. والمطلوب من المجلس البلدي الجديد أخذ كل هذه الملاحظات بعين الاعتبار، لتشكّل أرضيةً لخطةٍ تنموية مترابطة، تعتمد على الموارد الطبيعية المتوفّرة، وعلى الموارد البشرية الحاضرة، وكي لا تتحوّل البلدية إلى “حدوتة” تكتبها السلطات، وتُعبّر عن رؤيتها كسلطة، لا عن مصالح المدينة، وكي لا تستمر السنوات العجاف.
الفارق بين أبو محمد الجولاني وأحمد الشرع، يبدو أكثر بُعدًا ممّا يتخيله كثيرون. لِمن يعرف الجولاني جيدًا، يعرف أن الرجل يُدرك كيف يحقق المكاسب في أصعب الظروف والأوقات. فمَن يرى في الانكفاء الحكومي عن “معركة السويداء” نهاية القصة، سيجد نفسه قريبًا أمام معطيات تُؤشّر بوضوح أن الرجل لا يمكن أن يحتمل خسارة معركة كالسويداء، لأنّ ذلك سيعني نهاية “حُلم” أو مشروع أكبر منه على المستوى الشخصي. وهو أمر لا يحمله في الرؤية التي يصوغها على الناعم وسط حقل من الألغام
كانوا أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة. ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثرت بأرض الشام النصرانية والحشيشية الضالة، وتغلب الفرنج بمساعدتهم على سواحل الشام بأكمله، حتى أخذوا (القدس ونابلس وصور وصيدا و عكا و طرابلس و أنطاكية) وبلاد شتى. كل هذه البلاد كان الصحابة رضي الله عنهم قد فتحوها وصارت دار إسلام. لقد قتل الفاطميين العبيديين المنحرفين عن منهاج الاسلام من المسلمين خلقاً وأمماً ما لا يحصى، وسَبَوا ذراري المسلمين من النساء والولدان، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف. الحاكم بأمر الله الفاطمي العبيدي، الذي يعتبر الدروز أن الإله يتجلى فيه، وجعلته الإسماعيلية إمامًا معصومًا من أئمتها، واعتبره الشيعة من أهل البيت ومن نسل فاطمة الزهراء وعليٍّ رضي الله عنهما، كان من مظاهر جنونه وتفرّده في الحكم أنه يخرج إلى أسواق القاهرة راكبًا حماره، وخلفه عبدٌ زنجيّ ضخم الجثة يُدعى “مسعود”، وقد جعله أداةً للرعب والبطش. فإذا رأى الحاكم من يخالف أوامره، أمر عبده مسعودًا أن يُنزل به عقوبةً مهينة تُعرف بـ “الفاحشة العظمى” – أي الاعتداء الجنسي – جهارًا أمام الناس في السوق. وقد بثّ هذا التصرف الرعب في الأسواق، حتى صار يُضرب بفعله المثل في القسوة والجنون السلطاني. يعتبر الدروز الحاكم بأمر الله الفاطمي (985–1021م) شخصية مركزية ومقدسة في عقيدتهم. وأبرز ما يقولون عنه من منظورهم العقائدي: 1. الإيمان بألوهيته: يؤمن أتباع المذهب الدرزي أن الحاكم بأمر الله ليس مجرد خليفة فاطمي، بل هو تجلي إلهي، أي أن الله قد تجلى فيه. يُعرف في العقيدة الدرزية باسم “الناطق السابع” أو “العقل الكلي” الذي هو تجلٍ نهائي للحق. 2. سر الغيبة: يؤمن الدروز أن الحاكم لم يُقتل كما تقول الرواية التاريخية الفاطمية، بل دخل في غيبة سنة 1021م، وسيعود في المستقبل في “الظهور” ليقيم العدل. يشبه هذا الاعتقاد معتقدات المهدوية في بعض الطوائف الإسلامية، لكن بصيغة لاهوتية خاصة بالموحدين الدروز. 3. انطلاق الدعوة التوحيدية: بدأت الدعوة الدرزية في عهد الحاكم، على يد حمزة بن علي الزوزني ومجموعة من الدعاة الذين أعلنوا عقيدة التوحيد وألوهية الحاكم. الحاكم لم يُعلن ذلك بنفسه بشكل مباشر علني، لكن الدروز يرون أن تصرفاته وتوجيهاته كانت تمهيدًا للدعوة السرية. 4. الانفصال العقائدي: العقيدة الدرزية انفصلت تمامًا عن الإسلام التقليدي، سواء الشيعي أو السني، بعد إعلان ألوهية الحاكم وبدء الدعوة عام 1017م. 5. الرمزية الغيبية: يُشار للحاكم في كتب الدروز الرمزية بـ”مولانا” أو “الغائب المنتظر”، وذكره محاط بسرية وروحانية عالية.