عَلِمَتْ صحيفةُ “البوست” من مصادرَ سياسيّةٍ مُطَّلِعة، أنّ حزبَ الله تقدَّم، منذ فترة، بعدّة طَلَباتٍ بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر، عبر شخصيّاتٍ صديقة، لطلبِ تحديدِ لقاءٍ بين وفدٍ من الحزب والنائب أُسامة سعد. إلّا أنّ الجواب كان يأتي على الشكلِ الآتي: “الحكيم مَشغول هالفترة”؛ وذلك بعدَ احتدامِ الخلافِ بين الطرفين، عقبَ انسحابِ وفدٍ من الحزب من فعاليّةٍ سياسيّةٍ في صيدا، تناولَ فيها سعدٌ موضوعَ انتقالِ المقاومة “مِن حَوْلِ المقاومةِ إلى فِعلٍ مَذهبيٍّ ضيّق”. وبحسبِ مُتابعين، تأتي هذه المحاولاتُ من قِبَلِ الحزب لإعادةِ الوَصلِ مع نائبِ صيدا في توقيتٍ دقيق، على أعتابِ ترقّبِ تصعيدٍ في العدوانِ الإسرائيلي، من المتوقَّعِ أن يُنتِجَ حالةَ نُزوحٍ “جنوبيّ” باتجاهِ عاصمةِ الجنوب. كما لا يمكنُ قراءةُ الأمرِ إلّا باعتباره مؤشِّرًا دالًّا على مَعالِمِ التحالفاتِ التي منَ المُحتَمَل أن “تِركَب” على خارطةِ المتنافسين في الانتخاباتِ النيابية المقبلة. فهل يُعيدُ سعدٌ تبييضَ صفحةِ الحزب في المدينة بعد كلّ ما جرى؟ في السياسةِ لا شيء ثابت… ولا حتّى مُتحرّك….هي لعبةُ المصالح على حسابِ “القطيع”.
حتى في أكثر دول العالم تصنُّفًا ضمن خانة المتحضّرة أو المتقدّمة أو الأكثر تحرّرًا وانفتاحًا، نجدُ تعاملًا صارمًا مع مسألة القيادة تحت تأثير الكحول. فهذه الثقافات التي قد تُبيح، في مبالغاتها، زواجَ إنسانٍ من كلبه أو حماره، تراها في المقابل تُطبّق شروطًا قاسية على المخالفين الذين قد تسوِّل لهم أنفسهم قيادةُ سيارة آخرَ تحت تأثير “الخمور”. السؤال البديهي: لماذا هذا التشدّد؟ في الولايات المتحدة الأميركيّة، تشير القاعدة العامة إلى أنّ القيادة عند مستوى تركيز كحول في الدم (BAC) يبلغ 0.08% أو أعلى، تُعدّ مخالفة قانونية في معظم الولايات. بينما تتبنّى بعض الولايات حدودًا أدنى أو قوانين خاصّة بالسائقين المبتدئين أو سائقي الشاحنات؛ إذ قد يكون الحدّ صفرًا تقريبًا أو 0.02%. لأنّ الإنسان — بوصفه قيمةً جامعة — إذا فقد القدرة العقلية على التحكّم بجسده وبمحيطهه، تحوّل إلى أداة تدمير لا يمكن التنبّؤ بأفعالها ولا بما قد تسبّبه من أذى للبشرية والحياة الإنسانية ككلّ. فإن لم يكن “السكران” مؤتمنًا على قيادة سيارةٍ ذات أربعة دواليب، فكيف يمكن أن يؤتمن على قيادة شعبٍ وناس؟ يبدو أنّ “بالون النفخ” الذي تستعمله الشرطة لقياس مستوى الكحول في الدم، بات ضرورةً تمهيدية لبعض العاملين في الشأن السياسي المحلي… وورثتهم المفترضين كذلك.
في سابقةٍ من نوعها، وجّه حزبُ الله ظهر اليوم «كتابًا مفتوحًا» إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الشعب اللبناني، في خطوةٍ أراد منها تثبيت رؤيته لـ«السيادة والأمن الوطني» في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار المعلَن مع إسرائيل أواخر العام الماضي. لكن يبدو أنّ الكتاب كان موجَّهًا إلى إسرائيل، وكأنّه البيان رقم (1) إذ أعلن انطلاق وجهٍ جديدٍ من أوجه الحرب في جولةٍ جديدةٍ لا يعلم أحدٌ إلى ماذا ستُفضي. ففي تطوّرٍ لافت لــ“ستاتيكو” الأحداث ويوميّاتها منذ «وقف إطلاق النار»، وجّه الجيشُ الإسرائيلي إنذارًا لعددٍ من القرى الجنوبية بوجوب مغادرتها، وقامت المقاتلاتُ الإسرائيلية بضرب عددٍ من المواقع في هذه البلدات تحت ذريعة أنّها مراكزُ لحزب الله، ما أدّى إلى حالة نزوحٍ لسكان المناطق المستهدفة باتجاه مدنٍ كصور وصيدا وبيروت. البيانُ الذي جاء بلغةٍ رسميّة هادئة، حمل في مضمونه تحذيرًا سياسيًّا عالي السقف، إذ رفض بشكلٍ قاطعٍ أيَّ مسعى داخلي أو خارجي لإعادة التفاوض مع إسرائيل، أو لبحث مسألة «حصرية السلاح بيد الدولة» خارج التوافق الوطني. إعادة تفسير القرار 1701 اللافت أنّ الحزب استند في مطالعته إلى القرار الدولي 1701، الذي طالما اعتبره مجحفًا عام 2006، ليجعله اليوم درعًا قانونيًا لشرعية المقاومة. فبحسب قراءته الجديدة، ينحصر نطاقُ القرار جنوبَ نهر الليطاني، ولا يتضمّن أيَّ نصٍّ يُلزِم بنزع سلاح «المقاومة» في باقي المناطق اللبنانية. ومن هذا الباب، حمّل الحزبُ إسرائيل مسؤولية خرق وقف النار، متهمًا إيّاها بابتزاز الدولة اللبنانية ومحاولة جرِّها إلى مفاوضات جديدة تخدم مصالحها. تحذيرٌ مبطَّن في سطورِ البيان، بدا حزبُ الله وكأنّه يوجّه توبيخًا مبطّنًا للحكومة برئاسة نواف سلام، معتبرًا أنّ حديثها عن «حصرية السلاح» شكّل «عربونَ حسنِ نيّةٍ» لإسرائيل و«خطيئةً سياسية». شدّد الحزب على أنّ أيَّ نقاشٍ في ملفّ السلاح يجب أن يتم ضمن «استراتيجية دفاع وطنية»، لا تحت ضغط خارجي أو ابتزاز سياسي، مُكرِّسًا بذلك معادلةً قديمة بثوبٍ جديد: «الجيش والشعب والمقاومة» كركائز لحماية السيادة. ورفض البيان أيَّ مفاوضات سياسية مع إسرائيل، واعتبرها «فخًّا» يقود إلى الإذعان. وفي الوقت نفسه، يسعى الحزب إلى تحويل موقعه العسكري إلى مظلةٍ وطنية جامعة، عبر التأكيد أن «العدو لا يستهدف حزب الله وحده، بل لبنان كلّه». بهذا الخطاب، يسحب الحزب النقاش من كونه ملفًّا داخليًّا إلى كونه قضية دفاعٍ عن الكيان اللبناني برمّته، محاولًا تحييد الانقسامات السياسية عبر لغة سيادية جامعة. نضجٌ تكتيكي أم تثبيتٌ للواقع؟ يرى متابعون البيانَ مناورةً سياسيةً، تهدف إلى تحصين موقع الحزب أمام حكومة تميل إلى التوجّه الغربي، وإلى قطع الطريق أمام أيّ مسعى أميركي – أممي لإعادة فتح ملفّ نزع السلاح. في المقابل، لا يخلو البيان من رسائل طمأنة للداخل والخارج، إذ يتحدّث عن الالتزام بوقف النار والحرص على الاستقرار، لكنه يربط كلّ ذلك بشرطٍ أساسي: احترام المقاومة و«حقّها المشروع في الدفاع». بين لهجة الاعتدال الدبلوماسي ومضمون التحدّي الاستراتيجي، يبدو حزبُ الله وكأنه يقول للدولة اللبنانية والعالم: «لن نبدأ حربًا، لكننا لن نتنازل عن سلاحنا». بهذا الموقف، يحاول حزبُ الله تثبيت معادلة:«الهدوء ممكن… لكن بشروط المقاومة» معادلةٌ يبدو أنّها لم تَعُد صالحةً، والتصاعد التدريجي للأعمال القتالية من العدو الإسرائيلي ستثبت ذلك.