تحميل

إبحث

في الصميم

“حزب الله”…العجز أم المغامرة؟

من البديهي أن يكون السؤال الأبرز بعد الضربة الأميركية المباشرة التي طالت منشآت إيران النووية: هل ينخرط حزب الله اللبناني، كما غيره من “وكلاء” إيران وأذرعها، في المعركة المقبلة إلى جانب طهران؟
في الظاهر، يبدو أنّ الحزب مستعدّ دائمًا لفتح جبهة الجنوب، لكنّ الحسابات الميدانية والسياسية تقول ما هو أعمق من ذلك بكثير

جاهزية وحسابات معقّدة

يُعدّ حزب الله أحد أقوى “أذرع” إيران في المنطقة، يمتلك ترسانة هائلة تتجاوز 150 ألف صاروخ، منها ما يتميّز بالدقّة العالية. كما يملك بنية تحتيّة عسكريّة عميقة، ووحدات مشاة نخبوية اكتسبت خبرة قتاليّة واسعة خلال مشاركته في الحرب السوريّة.
قبل الحرب الأخيرة، كان يُقال إنّ الحزب قادر على إطلاق ألف صاروخ يوميًّا لمدة شهرين دون أن تُستنزف ترسانته، لكنّ الحرب الأخيرة غيّرت الكثير مما كان قائمًا قبلها، ما استدعى إعادة النظر في قدرة الحزب على الاستمراريّة بنفس الوتيرة.

على الرغم من القوّة الظاهريّة، لا يتحرّك الحزب في مثل هذه المواجهات بقرار منفرد. فالتدخّل العسكريّ الشامل من لبنان مرتبط بأوامر من القيادة الإيرانيّة، وبسياق استراتيجيّ إقليميّ واسع يشمل العراق واليمن وسوريا.

وهنا تكمن العقبات الرئيسيّة أمام قرار المواجهة العسكريّة:

الضعف بعد الحرب: خرج حزب الله من الحرب الأخيرة مع إسرائيل أكثر ضعفًا على عدّة مستويات، عسكريًّا، وتنظيميًّا، وماليًّا، وقياديًّا.

الوضع اللبنانيّ الهش: الانهيار الاقتصاديّ، الغضب الشعبيّ، والانقسام الطائفيّ تجعل الحرب مقامرة مكلفة على الصعيد الشعبيّ، بل قد تقود إلى تفجّر الأوضاع داخليًّا.

الرّد الإسرائيليّ المحتمل: التهديدات الإسرائيليّة بالرّدّ “غير المسبوق” تشمل تدميرًا شاملًا للبنية التحتيّة في الجنوب وبيروت، مع عواقب كارثيّة على لبنان بأكمله.

الخسائر السياسيّة: أيّ حرب قد تطيح بمكاسب الحزب داخل مؤسّسات الدولة، وتُضعف شرعيّته أمام جمهور غير الشيعة، ما يُهدّد موقعه السياسيّ الداخليّ.

لا يمكن فصل التدخّل المحتمل لحزب الله عن السياق الإقليمي والدولي، فالمعادلات الحاليّة تتشابك بين التوازنات العسكريّة والسياسيّة، والمصالح الاستراتيجيّة لكلّ طرف:

الرهان على الحرب بالوكالة: حزب الله يُمثّل العمود الفقريّ لمحور المقاومة في لبنان، لكنّه لا يمتلك القرار الأخير، إذ ترتبط تحرّكاته بشكل مباشر بإيران، التي تراهن على قدرة حزب الله على استنزاف العدوّ الإسرائيليّ دون الانجرار إلى حرب تقليديّة شاملة قد تُضعف مكانة محورها. هذا الرهان يظهر بوضوح في التدرّج التكتيكيّ للاشتباكات، وتجنّب المواجهات المفتوحة.

تأثير الحرب في لبنان داخليًّا: أيّ تصعيد شامل سيضع لبنان أمام كارثة إنسانيّة واقتصاديّة، خصوصًا في ظلّ الانهيار الحالي. وهذا يضع الحزب أمام معضلة بين خيارات الردع والحفاظ على قواعده الشعبيّة، حيث قد يخسر الحرب الشعبيّة التي يعتمد عليها.

المشهد الإقليميّ والدوليّ: الدعم الأميركيّ الإسرائيليّ المتزايد لإسرائيل، وتحركات القوى الكبرى مثل روسيا والصين في المنطقة، تُضيف طبقة من التعقيد. إنّ انخراط حزب الله في الحرب قد لا يغيّر كثيرًا ميزان القوى، لكنه قد يجرّ ردود فعل دوليّة غير محسوبة، ممّا قد يُعمّق الأزمات الإقليميّة.

الوضع الداخلي اللبناني لا يسمح بحرب واسعة. الجيش اللبناني متحفّظ، القوى السياسيّة منقسمة، والرأي العام يعيش أزمة معيشيّة خانقة، والأغلبيّة العظمى من اللبنانيين ضدّ الدخول في مواجهة جديدة مع إسرائيل

المواجهة الكاملة والتشويش المحسوب

في ظلّ هذه المعطيات، يُحتمل أن يكون خيار حزب الله – وإن ظلّ مستبعدًا – هو فتح جبهات تكتيكيّة محدودة، بهدف تشتيت وتركيز الانتباه بعيدًا عن إيران، دون الانزلاق إلى حرب شاملة:

فتح جبهة تشتيت تكتيكيّة: إطلاق رشقات صاروخيّة محدودة على مستوطنات إسرائيليّة بهدف تشتيت الدفاعات الجويّة، مع تجنّب التصعيد الكبير.

تفعيل جبهة الجولان السوريّ: عبر مجموعات موالية أو تنسيق ميدانيّ غير مباشر، يمكن ضرب إسرائيل من جبهة الجولان، ما يسمح للحزب بالضغط دون تحمّل مسؤوليّة مباشرة.

الدور الاستخباراتيّ الإقليميّ: يُساهم الحزب في إدارة العمليّات اللوجستيّة والتنسيق الاستخباراتي بين الحشد الشعبيّ في العراق، والحوثيين في اليمن، ضمن غرفة عمليّات “محور المقاومة”.

الردّ الشامل

إذا قرّرت طهران الرّد عسكريًّا بشكل مباشر وكبير ضدّ القواعد الأميركيّة أو إسرائيل، فإنّ حزب الله سيُدفع، على الأرجح، إلى خوض حرب شاملة، تتضمّن:

قصفًا مكثّفًا على الجليل والمراكز الحسّاسة في إسرائيل.

محاولات اختراق برّي محدودة على الحدود.

هجمات سيبرانيّة تستهدف منشآت إسرائيليّة وخليجيّة.

توقّعات مستقبليّة

في السيناريو الهادئ: لن ينخرط حزب الله في أي أعمال عسكرية مساندة، أو سيبقى  ملتزمًا بسياسة الرّد المحدود والتصعيد المتوازن، متجنّبًا الحرب الشاملة، مستفيدًا من الدبلوماسيّة الإقليميّة والضغوط الاقتصاديّة لتحقيق أهدافه.

في السيناريو المتفجّر: قد نشهد تصعيدًا كبيرًا يفتح فيه حزب الله جبهات متعدّدة، ما يؤدّي إلى نزاع إقليميّ شامل، مع تداعيات كارثيّة على لبنان والمنطقة، قد تصل إلى تدخّل دوليّ مباشر.


 

يبقى السؤال مفتوحًا على مصراعيه حول مدى قدرة حزب الله على موازنة مصالحه العسكريّة والإقليميّة مع ضغوط الواقع الداخليّ اللبنانيّ، وما إذا كانت الحسابات الاستراتيجيّة ستُغيّر قواعد اللعبة في الأيام القادمة. هذا التدخّل، إن حصل، قد يكون نهاية حزب الله وبداية مشهديّة جديدة في الساحة اللبنانيّة ستختلف كليًّا عمّا كانت عليه في اليوم الذي سبق. حزب الله يمتلك القوّة لإحداث تغيير في المعركة الإقليميّة، لكنّه يُدرك أن توقيت الحرب وسقفها ليسا في مصلحته الكاملة. لذلك، فإنّه أقرب إلى خيار عدم الردّ، أو الردّ المحدود والمدروس، إلّا إذا تحوّلت الحرب ضدّ إيران إلى تهديد وجوديّ، فحينها سيكون لبنان حتمًا على خط النار. المعركة المقبلة، إن اشتعلت، لن تبقى حدودها  عند فوردو ونطنز، بل قد تتخطى شمال نهر الليطاني لتصل إلى بئر حسن، وربما ن أبعد من ذلك، لتكون لبنان ساحة تصعيد مفتوحة في حرب كبرى.
al-Post
النهاية المفتوحة
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا